الدبلوماسية الدينية المغربية في إفريقيا: قوة ناعمة تتعزز في شهر رمضان

يتخذ المغرب من الدبلوماسية الدينية ركيزة أساسية في علاقاته مع دول القارة الإفريقية، مستثمراً في ذلك تراثه الروحي وامتداده التاريخي في المنطقة. وتشهد هذه الدبلوماسية الناعمة تعزيزاً ملحوظاً خلال شهر رمضان المبارك، حيث تتجلى في صور متعددة ومبادرات متنوعة، بحسب ما ورد في تقرير لوكالة الأناضول.

بدأ المغرب منذ سنوات تبني استراتيجية واضحة المعالم لتعزيز حضوره الديني في إفريقيا، تجسدت في إنشاء معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات عام 2015، الذي يستقطب طلاباً من جنسيات مختلفة لتلقي تعليم ديني يرتكز على قيم الوسطية والاعتدال والتسامح. وقد أهّل المعهد 389 إماماً من دول إفريقية خلال عام 2023 وحده، ضمن إجمالي 639 طالباً وطالبة.

ولم تقتصر جهود المملكة على تكوين الأئمة فحسب، بل امتدت لتشمل تأسيس "مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة" التي تضم 150 عالماً من 32 دولة إفريقية، بينهم 17 امرأة. تهدف هذه المؤسسة إلى "صيانة الثوابت العقدية والمذهبية والروحية المشتركة بين المغرب وبلدان إفريقيا، وإشاعة الفكر الإسلامي المعتدل".

وفي إطار تعزيز البنية التحتية الدينية، شرع المغرب في بناء العديد من المساجد والمراكز الثقافية في دول إفريقية مختلفة. ففي عام 2024، أطلق أعمال بناء مسجد محمد السادس في العاصمة التشادية انجامينا بتكلفة 1.9 مليون دولار، ويواصل تشييد مسجد في شنقيط الموريتانية بتكلفة 2.16 مليون دولار، بالإضافة إلى استكمال بناء المركز الثقافي محمد السادس في انجامينا بتكلفة تصل إلى 8.8 ملايين دولار.

وتتجلى هذه الدبلوماسية الدينية بشكل خاص خلال شهر رمضان عبر تقليد "الدروس الحسنية" التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني عام 1963، وحافظ عليها الملك محمد السادس. تتميز هذه الدروس بانفتاحها على كبار العلماء من مختلف المذاهب والتوجهات الفكرية، سنية أو شيعية، وحتى مشايخ الصوفية، مما يعكس نهج التسامح والانفتاح الذي يتبناه المغرب.

يرى الخبراء أن هذه الدبلوماسية الدينية تشكل "قوة ناعمة" ذات تأثير عميق ومستدام في علاقات المغرب مع دول القارة. وفي هذا السياق، يؤكد إدريس قصوري، رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث المرجعية، أن "المعيار الديني في إطار القوة الناعمة خيار استراتيجي للبلاد في علاقتها مع إفريقيا"، مشيراً إلى أن "القوة الناعمة على المستوى الديني تمتاز بالمتانة والاستدامة، وتأثيرها يكون أكبر من مجالات أخرى، فضلاً عن قدرتها على التأثير لدى الشعوب وتسوية المشكلات وإحقاق السلام".

وتبرز أهمية البعد الديني في استراتيجية المغرب الإفريقية باعتباره أداة فعالة في مكافحة التطرف والإرهاب، حيث يسهم نشر الفكر الإسلامي المعتدل في تحصين المجتمعات الإفريقية ضد الأفكار المتطرفة. وهو ما يجعل هذا البعد، وفق قصوري، "أكثر أهمية من الأولويات الاقتصادية والسياسية" في بعض الأحيان.

ويدعو الخبراء إلى توسيع آفاق التعاون الديني ليشمل المجالات الأكاديمية والبحثية، عبر تبادل الطلاب وانفتاح أكبر للجامعات المغربية، وحتى إنشاء فروع لها في دول إفريقية مختلفة، بما يسهم في تأهيل الكوادر الإفريقية ويعزز الروابط الثقافية والحضارية بين المغرب ودول القارة.

في النهاية، تبدو الدبلوماسية الدينية المغربية في إفريقيا استثماراً استراتيجياً طويل الأمد، يتجاوز المصالح الاقتصادية والسياسية المباشرة ليؤسس لروابط عميقة ومستدامة تقوم على القيم المشتركة والتراث الروحي المتجذر في وجدان الشعوب الإفريقية.