زيارة وزير الشؤون الخارجية الإسباني "مانويل ألباريس" للمغرب تزيد من عقدة تاريخية جزائرية اسمها ''المروك''
بعد تصعيد الجزائري ضد الإسبان، جراء دعم إسبانيا لمشروع الحكم الذاتي، وتأكيد سيادة المغرب على أراضي الصحراء الجنوبية للمملكة؛ تتجه الجزائري تدريجياً لتخفيف حدة التصعيد، بالنظر إلى هشاشة وسائل الضغط الجزائرية، أمام قوة المغرب في ترويض الجهات المعادية للوحدة الترابية.
فالعقيدة الجزائرية تعتمد أسلوب الإغراءات، بما تنعم به من ثروات طاقية، والنرجسية الدبلوماسية في ترتيب العلاقات، دون احترام القرارات السيادية للدول؛ بينما الحكمة المغربية تقدم عرضا عقلانيا، يشمل الجاذبية الاقتصادية والتعاون الأمني، بالإضافة إلى الثقة والمصداقية، والمصالح المشتركة في إطار توازن العلاقات، دون الإضرار بمصالح أي دولة.
فالديبلوماسية الإسبانية، غيرت من فلسفتها وأولوياتها إرضاء للمغرب، وفي ظل الخطوط العريضة التي رسمهه المغرب لأجل إحياء العلاقات، والدفع بها نحو شراكة استراتيجية قوية ومتينة؛ ظهرت حاجة الجزائر لتلطيف الأجواء مع الإسبان، إلا أن عودتها ليست كما كانت في السابقا.
فبينما أرادت الجزائر لي ذراع إسبانيا كما فعل المغرب، دون أي مبرر سوى الإضرار بالوحدة الترابية للمغرب، رغم أن مصالح الجزائر ليست مهددة أو متضررة من قرب الإسبان والمغرب؛ وإنما عقدة تاريخية اسمها المغرب، دون أن تجد إسبانيا سببا لتفسر ردة فعل الجزائر.
فالنظام الجزائري، حاول تصدير رسالة للداخل الجزائري، أنه يعاقب إسبانيا حفظا لماء الوجه، بعد الإخفاقات الدبلوماسية التي كبده إياه المغرب، ناسيا حجمه الصغير كدولة وظيفية؛ فوجد نفسه أمام أخطاء دبلوماسية بالجملة، يمكن اختزالها في النقاط الآتية:
- كشف دور الجزائر في نزاع الصحراء المغربية المفتعل، كطرف رئيسي عكس ما تدعيه كملاحظة؛
- الاخلال بالالتزامات الاقتصادية موضوع التصعيد؛
- استهداف قطاع سيادي يهم الطاقة، دون وجود مبررات؛
- معاقبة الجزائر لنفسها، كون أنها أول المتضررين من الأزمة مع إسبانيا؛
- تبين بالملموس أن الجزائر دولة متهورة وربما النظام غبي، يفتقر لتصور دبلوماسي؛
- أن الغيرة من المغرب تأثر في مستقبل أي دولة مع الجزائر؛
- كما أن النظام الجزائري ليس محل ثقة، وشريك بدون مصداقية؛
- ثم أن الجزائر لا تحترم سيادة الدول على قرارها السياسي، وتعتقد أن الغاز مبرر للتدخل في الشأن الداخلي.
وفي ظل هذا الوضع، ومع كشف حقيقة الجزائر كدولة بدون هوية دبلوماسية، واتضاح سياسة المغرب واضحة المعالم والرؤى، كشريك موثوق ودو صداقية؛ اتجهت اسبانيا إلى إعادة الروابط مع المغرب البلد الجار الشقيق؛ لكن بالشروط مغربية تضمن عدم الإضرار بمصالح الإسبان.
لكن قوة المغرب من حيث التأثير على السياسية الجديدة لإسبانيا، ظهرت جليا في شروط الإسبان لإعادة العلاقات مع الجزائر، والتي تمثلت في النقاط التالية:
- أن إسبانيا ليست معنية بالحوار لأجل معالجة أزمة لم تتسبب فيها، بل كانت مفتعلة من الجزائر؛
- كما أن التصعيد الاقتصادي للجزائر الغير مبرر، سيعالج في قبة الإتحاد الأوروبي، ما يعني إجراءات عقابية صارمة اتجاه الجزائر؛
- بالإضافة إلى أن يد الإسبان ممدودة للجزائر، لكن شرط عدم التدخل في القرار السياسي لإسبانيا.
بعد الإحساس بالهزيمة جراء فرض شروط لإعادة العلاقات من جديد؛ وجدت الجزائر نفسها أمام أزمة عسيرة، متمثلة في تدهور الوضع الاقتصادي، والحاجة في العودة إلى أحضان إسبانيا، دون أن ينتبه الشعب الجزائري المقهور إلى الهزيمة.
فكان السبيل الوحيد لمرور الفضيحة الدبلوماسية، دون شعور الشعب الجزائر بالخذلان، هو التجارة السياسية بالقضية الفلسطينية، المتجدرة في العرف الدبلوماسي للجزائر، بعد الموقف الإيجابي لرئيس الحكومة الإسبانية "سانشيزّ اتجاه القضية الفلسطينية.
وبعد الاشادة الواسعة بالموقف الإسباني اتجاه الحرب على غزة، وجد النظام الجزائري الفرصة سانحة للركوب على الموجة، من أجل تبرير إنهاء الأزمة، بحجة الموقف الإسباني من الفلسطين، دون أن يعترف بأنها هزيمة دبلوماسية.
أما الخطة الثانية للنظام العسكري الجزائري، تمثلت في دعاية إعلامية للداخل الجزائري، مفادها وجود أزمة بين المغرب وإسبانيا، والتي أسست على مؤشرات باطلة، متمثلة في تغير خطاب "سانشيز" اتجاه مشروع الحكم الذاتي، وتبني الخطاب الأممي كحل سياسي.
ثم الحجة الأخرى لتأكيد الطرح الجزائر، هي تغيير المغرب كأول وجهة لرئيس الحكومة الإسبانية، بعد أن كانت عرفا دبلوماسيا لإسبانيا في زياراته الخارجية، فور تنصيب أي رئيس.
كل هاته المبررات الزائفة، كانت أدوات للنظام الجزائري، قصد إعادة العلاقات بشكل أحادي، وتمريرها عبر غسل ماء الوجه من الحرج الداخلي والخارجي؛ ما ترتب توسل الجزائر بإعادة السفير الجزائري إلى مدريد، وإعادة الخطوط الجوية نحو إسبانيا.
وبعد اعتقاد الشعب الجزائري بصحة المبررات، جاء الرد عبر وكالة الأنباء الإسبانية، حول زيارة وزير خارجية إسبانيا للمغرب، في أول زيارة خارجية لـ"ألباريس"، شمل جدول أعمالها، تعزيز العلاقات السياسية والتجارية والثقافية والتعاون الثنائي بين المملكتين.
وبعد اللقاءات التي جمعت وزير الخارجية الإسباني، برئيس الحكومة "عزيز أخنوش"، ووزير الخارجية "ناصر برريطة"؛ أفضت نتائج الزيارة إلى تعزيز التعاون الثنائي، والإصرار على السير قدما نحو شراكات إستراتيجية متعددة على حد قول "ألبارس"، ثم التأكيد على دعم إسبانيا لمشروع الحكم الذاتي.
كما تطرق الجانبان الإسباني والمغربي، إلى قضايا مصيرية مشتركة بين البلدين، شملت التعاون الأمني والتجاري والاقتصادي، بالإضافة إلى قضايا الهجرة والتنمية والحدود؛ ما يمهد إلى ترتيب اللمسات الأخيرة، لمناقشة أسباب اشتعال الأزمات السياسية بين المغرب والإسبان، وتحيينها بما يخدم مستقبل الشراكة بين المملكتين.
ما يعني أن إسبانيا لازالت متمسكة بالمغرب، رغم ادعاءات الجزائر لتبرير عودتها المذلة لأحضان إسبانيا، بشروط تنسجم مع طبيعة العلاقات بين المغرب وإسبانيا، وأن الأزمة الواهية بين المملكتين، مجرد افتراء لا أساس له من الصحة، بينما خطوط إحياء العلاقة بين المغرب والإسبان، سطرها المغرب ورسم حدودها.
فالخطوط العريضة التي رسمها المغرب، تشمل التعاون دون التطاول على القرار السيادي لإسبانيا، حسب ما قال وزير الخارجية الإسباني، الذي ضرب المثل بالنموذج المغربي، ما يعني قبول الجزائر بالوضع الجديدة، ملفوف بحملة إعلامية مصدرة داخليا، ضد التعاون الإسباني المغربي.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الإسباني "سانشيز"، رافع لصالح مغربية الصحراء، أمام محكمة العدل الأوربية، خلال الطعن بالاسثئناف، ضد قرار وقف اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والإتحاد الأوروبي، وأكد على أن البوليساريو ليست الممثل الشرعي لسكان الصحراء المغربية.
كما أن القول بأن "سانشيز" انحاز للطرح الأممي فيما يخص الصحراء المغربية، فالطرح الأممي ليس موقف أصلا للبناء عليه، بل إن مجلس الأمن يؤكد على الحل السياسي، وهو الحل الذي استجاب له المغرب، وقدمت مشروع الحكم الذاتي في هذا الإطار كحل سياسي.
بالإضافة إلى أن إسبانيا كانت دائما تناصر أطروحة الانفصاليين قبل دفء العلاقات، كما هو الحال بالنسبة للحزب الاشتراكي الحاكم؛ بينما تبني الموقف الأممي دون الانتصار للطرح الانفصالي، هو بمتابة انتصار للمغرب وهزيمة للبوليساريو والجزائر.
وبغض النظر عن تأكيد إسبانيا في كل مناسبة على مصداقية مشروع الحكم الذاتي، منذ عودة العلاقات لنصابها خلال اتفاق 7 أبريل 2020؛ وتأكيدها للثوابت التي تطبع مستقبل العلاقات بين المغرب وإسبانيا، والمتمثلة في "التوطيد" و"التجديد" و"التطابق".
وختاما يمكن القول أن موقف ألباريس الأخير من الصحراء المغربية، وعودة الجزائر لإسبانيا، يؤكد قيام فلسفة جديدة في قواعد اللعبة، تقضي تغليب لغة المصالح وتخفيف التوترات، والبحث عن سبل التنمية؛ ورضوخ الجزائر لقواعد اللعبة السياسية التي سطرها المغرب في المنطقة.