العلاقات المغربية الاسبانية تنتصر للتاريخ وللجغرافية والنظام الجزائري يزداد حماقة وجنونا
بعد أن كانت العلاقات "الإسبانية الجزائرية" كالسمن على العسل، ليست في إطار علاقات إستراتيجية، وإنما العدو المفترض يبقى واحد، وهو المملكة المغربية الشريفة، التي تشكل عقدة تاريخية لكلا الجانبين؛ ها هو المغرب يقلب الطاولة على النظام الجزائري لصالح المغرب.
هذا النظام الذي يتكبد اليوم هزائم تاريخية مريرة، لكونه لازال يعيش على أحلام المشروع القومي التوسعي المغلف بالفلسفة الماركسية، والخطابات الرنانة، بينما شرعية ومشروعية النظام الملكي، لقيت قبول واسعا.
حاول هذا النظام العسكري- بكل الوسائل - محاصرة المغرب ، من أجل خريطة سياسية جديدة بالمنطقة، التي رسم ملامحها المغرب، من خلال تصور يؤثث لمجال بدون توترات، يسعى من خلالها إلى الإعمار والبناء والتنمية، وتعزيز الشراكة الاقتصاد والتجارية والأمنية والثقافية، لصالح شعوب دول المنطقة.
فالعالم لم تتحدد ملامحه إلى حد الآن، بينما الخلافات السياسية الضيقة، لا يمكنها أن تحقق أي تقدم في مواجهة الصدمات والأزمات الدولية، في مرحلة تقتضي التآزر والتعاضد، ومزيدا من التعاون، والبحث عن نقاط تقاطع المصالح رغم الاختلاف، لتدبير الملفات العالقة، نحو مصالح مشتركة.
ورغم العداء والتآمر على المصالح العليا للمغرب، إلا أن جلالة ملك كلما اقتضت الفرصة، إلا وناشد النظام الجزائر لفتح قنوات الحوار، لأجل شراكة إستراتيجية، ومواجهة التحديات الدولية والإقليمية، بما يخدم مصالح المغرب والجزائر.
فالشراكة المغربية الجزائرية تؤرق الأوروبين على اعتبار أنها تضر مصالح الغرب في المنطقة، كون أن الشراكة من هذا النوع، ستؤدي إلى مبادلات، تخدم الاكتفاء الذاتي للمنطقة، ما يجعلنا في غنا عن الدول الغربية في الكثير من الأشياء، مما سيقوي سيادة كلا البلدين على قرارهما السياسي.
وبعد سياسة اليد الممدود من الملك، التي لم يستشعر حمولتها النظام الجزائري، سارعت إسبانيا إلى خطفها، قبل أن تصبح حقيقة، وبقيت الجزائر تعول على الغرب لضرب مصالح المغرب، بينما الغرب يسارع للشراكة مع المغرب، قبل أي طارئ في السلطة الجزائرية الهشة، بعد أن أضحى إسم الرئيس مكتوب بالطبشور.
ولكون أن النظام الجزائري هش، ومن المحتمل قدوم سلطة حاكمة في قصر المرادية، تقوم بتغيير جدري في العلاقات مع المغرب؛ فضل الغرب التحالف مع المغرب والحرص على مراعاة وحدته الترابية، استشرافا للمستقبل، قبل أي مصالحة بين البلدين.
ورغم أن العالم فهم سياسة اليد الممدودة، واستشعر مشروع الدولة المغربية كمنافس في الساحة الإقليمية؛ إلا أن النظام لازال يعيش في سبات عميق، بينما الشركات والمصالح التي تخدم الشعوب تطرز أمامه، دون أن تعود بمنافع على الشعب الجزائري.
وبعدما تخلف النظام العسكري الجزائري عن الموعد، حضرت فيه إسبانيا عوض أن تكون إحد ضحايا اليد الممدودة، شأنها شأن الغرب، واستفادت من الشراكة المغربية، وامتصت حدة العداء، وانقلبت على الجزائر، وجعلت من المغرب شقيق وحليف، بعد ٱن كان جار وعدو محتمل.
لم تفهم الجزائر إلى حدود الساعة أن سبب الأزمة التي كبدت الاقتصاد الإسباني خسارة كبيرة هي الجزائر؛ فالمغرب عاقب الإسبان لأنه تواطأ مع الجزائر، في احتضان مجرم حرب بالأراض الإسبانية، دون مراعاة مسؤلية "إبراهيم غالي" في الانتهاكات ضد الإنسانية، بعد اغتصابه لنسوة صحراويات.
ليستغل بذلك رئيس الحكومة الإسبانية الفرصة، بعد أن توفرت شروط تبرير الشراكة المغربية، وإعادة العلاقات بين المغرب والإسبان إلى طريق الصواب، وتصحيح الخطأ التاريخي للإسبان اتجاه المغرب، والتخلي عن العبء الجزائر، الذي كلف المصالح الإسبانية الكثير من التأخر.
وقد ترجم "بابلو سانشيز" انقلابه على الجزائر، بإعفاء وزيرة الخارجية المتواطئة في استقبال مجرم الحرب زعيم عصابة البوليساريو، وتعيين "ألباريس" المقبول لدى الرباط كوزير الخارجية، والاعتراف بدعم الحكم الذاتي، كحل سياسي حقيقي ومعقول دو مصداقية.
بالإضافة إلى الاستقبال الملكي لسانشيز، وإبرام اتفاق تاريخي مع المغرب، نحو شراكة إستراتيجية بين البلدين، تقوم على التوطيد والتجديد والتطابق؛ الأمر الذي شكل صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الإسبان والمغرب، وسجل انتصار ديبلوماسي مغربي مقابل هزيمة جزائزية، تنزع منها أهم حلفائها ضد المغرب.
لم يستوعب النظام صدمة الهزيمة، وحفظا لماء الوجه، إتخذت خطوات ضد مدريد، دون أن يعلم أنه يضر بمصالح الجزائر، فكان الحل الممكن هو استدعاء السفير الجزائر، وتعليق الجزائر لاتفاقية "الصداقة وحسن الجوار"، والتهديد بقطع الغاز.
غير أن الجزائر وجدت نفسها في مواجهة الإتحاد الأوروبي بشأن الغاز، نظرا لأن الجزائر أخلت بإلتزامات تهم دولة عضو في هذا الكيان القاري، أما الاقتصاد فيضر مصالح كلا البلدين؛ بينما المأزق الأكبر، تورط الجزائر بظهورها كطرف في النزاع، وتدخلها في سيادة الإسبان على قرارها السياسي.
إثر ذلك أعلن "ألباريس" أن الخطوات إخلال باتفاق تجاري، أحيل على الإتحاد الأوروبي، مؤكد أن الأمر معروض على الإتحاد، ولن يحاور الجزائر حول ذلك، لأنها ليست هي من أخلت به؛ الأمر الذي دفع الإتحاد إلى تحذير الجزائر، بشأن اتخاذ خطوات صارمة اتجاه الجزائر.
وبعد تقهقر العلاقات بين المغرب والإسبان لتاريخ طويل، وتحالف قوى بين الجزائر والإسبان، وقع تحول جدري أدى بالاسبان إلى التحالف مع المغرب، والتخلى عن الجزائر، مطالبا إياها بالاهتداء لنفس الخطوط التي ترسم سياسته مع المغرب، بعلاقة مبنية على المصالح المشتركة، دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
لم تستوعب الجزائر الخطاب الإسباني الجديدة الذي بات غريبا، والذي يطابق الخطاب المغربي، بما فيه سياسة مد اليد، بل حتى وزير الخارجية الإسباني، يشبه نظيره المغربي من حيث الشكل، مما يزيد من صدمة النظام الجزائري الذي ظل يراهن على حكومة إسبانية جديدة ووزير خارجية، لإحياء الدفء بين البلدين، والعداء للمغرب.
غير تنصيب الحكومة الجديدة لسانشيز، والإبقاء على نفس وزير الخارجية، أصاب البوليساريو والجزائر بالسعار، وما أفقد الجزائر صوابها، هو اللقاءات التي جمعت ألباريس مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ثم وزير الخارجية ناصر بوريطة، واعلانه دعم الحكم الذاتي، خلال أول زيارة خارجية له بعد تعيينه.
الزيارة الخارجية الأولى من نوعها، شكلت خيب لآمال النظام العسكري الجزائري، بعد تسليط إعلامه على المغرب، من أجل التشكيك في قوة العلاقات بين المغرب والإسبان، والحديث عن أزمة دبلوماسية بين البلدين، من أجل تبرير توسله لإعادة السفير الجزائري لمدريد، وإعادة الرحلات الجوية لحجمها الطبيعي، دون إظهار فشل محاولات الضغط.
فاللقاءات المذكورة آنفا لألباريس، فندت الهجمات الإعلامية الكاذبة للإعلام الجزائري، وضربت عرض الحائط كل الٱكاذيب والآمال والتوقعات، حيث صرح وزير الخارجية الإسباني، بأن جدول الزيارة يتضمن إطلاق خارطة الطريق التي أسست في زيارة سانشيز للمغرب بأبريل 2022.
وأكد في تصريح له، أنها تروم إلى الوقوف على الشراكة الاستراتيجية المتعددة، التي تشمل الشق الاقتصادي والأمني والثقافي والتجاري؛ فضلا على مناقشة قضايا مشتركة، بما فيها الهجرة والحدود وغيرها من القضايا الدولية والإقليمية.
وبذلك تكون الزيارة الأخير لألباريس وزير الخارجية الإسباني، هزيمة ديبلوماسية أخرى للنظا الجزائري، كبدها أياه المغرب، وتكذيب إسباني للجزائر، حول إشاعات جزائرية، تتعلق بأزمة صامتة بين المغرب وإسبانيا لا أساس لها من الصحة، ودليل بأن النظام الجزائري، لم يستطع ابتلاع هزيمة 7 أبريل 2022.