هل سيستعيد البيجيدي عافيته السياسية والتنظيمية بعد عودة بنكيران؟

بعد ما يقارب خمس سنوات على انسحابه من المشهد السياسي عاد بنكيران امينا عاما لحزب العدالة والتنمية للمرة التالثة، الأمر الذي لم يشكل مفاجئة لقطاع واسع من مناضلي الحزب،ولمتتبعي الشان السياسي بالمغرب.

"ليس للقيادة الجديدة مصلحة في تصفية الحسابات"، "اليوم هو يوم المستقبل يجب أن نكون يداً واحدة"، "سنعود لتحقيق الانتصارات، لكن يجب أن نبقى في الساحة"، بهذه العبارات مهّد رئيس الحكومة المغربية السابق، عبد الإله بنكيران، لعودته الرسمية إلى قيادة حزب "العدالة والتنمية"، بعد دقائق من تمكنه مساء السبت، من الظفر بمنصب الأمين العام للحزب، في مؤتمر استثنائي فرضته سقطة المصباح الانتخابية في الثامن من شتنبر الماضي.

في هذا السياق، قال عبد الرحيم العلام أستاذ الفكر السياسي والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض، إنه يتوقع أن لا يكون لحزب “العدالة والتنمية” شأن كبير في المشهد السياسي، حتى بعودة بكيران إلى قيادته، إلا إذا أقام الحزب نقدا ذاتيا، يُصحّح من خلاله الأخطاء.

 

وأوضح العلام ، أنه من الأمور التي قد تساعد الحزب في تجاوز كبوته الشعبية وليس الانتخابية فقط، ألاّ يفكر في العودة السريعة إلى المشهد السياسي من بوابة المعارضة، لأن ذلك سيجعل من معارضته قريبة من السخرية، سيما وأن الكثير من السياسات التي سيعارضها هو من أسس لها أو على الأقل وُجدت في عهده.

وأضاف ” ذلك من الأفضل له وللمجتمع أن يعود لذاته التنظيمية، يُلملم شتاتها، ويضمّد جراحها، وألاّ يشوش على المعارضة القائمة اليوم ضد سياسة الحكومة، لأن خروج الحزب إلى المعارضة السريعة، ستستغله الحكومة لكي تتهرب من أخطائها، وتُظهر المعارضة وكأنها معارضة حزب لم يعد في الحكومة، وعندما نقول عدم العودة السريعة للمعارضة، فهذا يعني المؤسسة الحزبية وليس عمل الأفراد”.

وأشار أنه على الحزب أن يعلي من قيمة التواضع، وأن يجعل نفسه ضمن الجماعة السياسية المعارضة، بدل تلك الأستاذية التي اعتادها والتي جعلت غيابه غير مأسوف عليه، وأن يتعلم من أخطاء الماضي، لكي لا يرهن وجوده السياسي بتسويات خارج القواعد الشعبية، وألا يدخل في مساومات على حساب مصالح المواطنين.
وأكد العلام أنه من الأفضل لحزب “العدالة والتنمية” أن يعلي من قيمة الاشتراك مع غيره المخالف، بدل الإقصاء أو الاستعلاء أو المغالبة أو الركون إلى القوة أو الاحتكام إلى الكثرة، لأن هذه الأمور تجعله وحيدا في المشهد، وتتركه لمواجهة الضغوط منفردا.
ولفت إلى أنه من الأفضل للحزب التخلي عن فكرة قيادة لا الحكومة ولا المعارضة أو الوصاية على الشارع السياسي، وإنما المشاركة في الحكومة والمشاركة في المعارضة، مشيرا أنه من الأكيد أن الحزب أصبح يدرك جيدا أن التغيير لا يحدث من خلال رئاسة الحكومة أو قيادة المعارضة وإنما من من خلال التعاون على أساس “الرغبة في العيش المشترك”.
وشدد العلام على أنه بما أن “البيجيدي” حزب سياسي، فمن الأفضل له أن يركز على الخطاب السياسي، وأن يبتعد ما أمكن عن دغدغة العواطف الهويّاتية، مضيفا “إذا كان من حق أعضاء العدالة والتنمية أن يُظهروا نوع من الحماسة لعودة ابن كيران للقيادة، ويفرحوا وينشدوا، فإنه عليهم ألا ينسوا أن اكتساح ابن كيران لأصوات أعضاء المؤتمر، لا يعني أنه اكتسح أصوات الشعب، أو استعادة ثقة من كانوا يثقون به”.
وتابع ” الأمر يتعلق أولا بأن الحزب لم يستطع إفراز قيادة جديدة تحقق شعبية للحزب، ثانيا: لولا الهزيمة الكبيرة في الانتخابات لما تم للرجل هذا الاكتساح، بل لو كان الحزب فاز في الانتخابات لما اعاروه اهتماما، بل لكان العثماني محمولا فوق الأكتاف”.
وأكد العلام أن عودة بنيكران للقيادة عبر شبه إجماع مؤتمر حزبه، لا ينبغي أن تصيبه بالغرور الذي يمنعه من الاستماع إلى الأصوات المنتقدة من داخل حزبه، أو تهميش المؤسسات الحزبية، وأخذ الحزب نحو اليمين أو اليسار أو عودة “الأيديولوجية الكيرانية” إلى تسيّد المشهد، مشيرا أن مثل هذه التصرفات هي التي جعلت الحزب من دونه لا يساوي شيئا، وحالت دون تكوين قيادات جديدة تعمّر الفراغ الذي حصل والذي سيحصل.
وأبرز أنه في العلاقة مع الخارج الحزبي، من الأفضل لبنيكران أن يتوقف عن إظهار دور المنقذ، والإدعاء بأنه لولا وجوده لسقطت الدولة، أو اقتناص الفرص من أجل الظهور بدور البطل، لأن ابن كيران وأنصاره يعرفون جيدا نتيجة هذه الادعاءات.
وأضاف “بما أن ابن كيران لم يعد متقاعدا، وإنّما أصبح أمينا عاما لحزب سياسي لديه قواعد وموارد مادية، فمن الأفضل أن يتنازل عن التقاعد الذي مُنح له، وأن يعيش على مدخوله الشخصي وما يقدمه له حزبه للقيام بوظيفته السياسية، لأنه ليس من العادي  أن تُنفق الدولة من أموال دافعي الضرائب على شخص يقود حزبا سياسيا لديه آلاف الأعضاء، بل كيف يصرف دافع الضرائب على أمين عام حزب سياسي خطابه السياسي يتناقض مع أفكار جزء من دافعي الضرائب؟”.

 

أمينة ماء العينين: البيجيدي لم يمت وسيتجاوز تداعيات نكسة الـ 8 شتنبر

 

و قالت أمينة ماء العينين، إن” حزب المصباح يظل حزبا حقيقيا أثبت القدرة على الصمود في وجه أكبر اختبار يمكن أن يمر منه حزب سياسي، حيث توضع كل قواعده ومعاييره ومقومات وجوده السياسي على المحك.”

وأضافت ماء العينين، القيادية والبرلمانية السابقة عن حزب العدالة والتنمية في تدوينة نشرتها على صفحتها الخاصة بموقع الفايسبوك، إن “المؤتمر لم يكن إلا محطة لإعادة الانطلاق بعد “نكسة” الثامن من شتنبر، وإلا فالعمل الحقيقي هو الذي ينتظر الحزب ومناضليه من مختلف مواقعهم لأن قيادة الحزب ليست إلا موقعا نضاليا.”

وتابعت “لقد حدثت تغيرات وتحولات في الحياة السياسية والحزبية، وهي تحولات يعيش الحزب نفسه جزء منها، ولابد أن يصل إلى المقاربة الأسلم لتدبيرها في مرحلة صعبة وحساسة”.

وأكدت ماء العينبن أنه في كل الأحوال يظل المغرب أهم من الحزب، وتظل آمال المغاربة موجهة لآمال قواعد الحزب لتحقيق الديمقراطية والتنمية المنشودتين في ظل رهانات خارجية وداخلية كبيرة سيعرف الحزب بما له من خبرة ومؤهلات استحضارها في المرحلة المقبلة.

وشددت ماء العينين عضوة الأمانة العامة في فريق عبد الإله بن كيران، على أن حزب العدالة والتنمية لم يمت، وسيتجاوز تداعيات نتائج الانتخابات الأخيرة على وضعيته السياسية والتنظيمية، وسيستمر في ممارسة أدواره المنتظرة في مشهد يعاني من الكثير من الفراغ السياس، لافتة إلى أنها مسؤولية كبيرة وثقيلة .

ويرى مراقبون انه بانتخابه للمرة الثالثة على رأس الحزب الإسلامي، يواجه بنكيران امتحاناً جديداً بشأن إدارته لـ"المرحلة الصعبة" في تاريخ الحزب، وإعادة ترتيب أوراقه حفاظاً على مستقبله ووحدته، وتجاوز تداعيات ما يعيشه من أزمة تفرض عليه كأمين عام لكل مناضلي الحزب أن يكون رجل توافقات، وأن يمتلك القدرة على تدبير المرحلة الانتقالية وإجراء تقييم حقيقي وشامل لمسار الحزب والخروج بخلاصات تمكن من إطلاق دورة جديدة.
صحيح أن بنكيران قد خبر تفاصيل السياسة بالمغرب، بيد أن الحزب الذي ترك قيادته في عام 2017 لم يعد كما كان، بعد أن فقد الكثير من تجانسه وشعبيته وصدقيته،فهل سيستعيد البيجيدي عافيته السياسية والتنظيمية بعد عودة بنكيران؟