التصويت على البرنامج الحكومي والآثار المترتبة عنه

في بلاغ مشترك أعلن رئيسي مجلسي البرلمان (مجلس النواب والمستشارين)، أن رئيس الحكومة عزيز اخنوش، سيقدم برنامجه الحكومي أمام مجلسي البرلمان، في جلسة عمومية مشتركة بين غرفتي البرلمان، وذلك يوم الاثنين 11 أكتوبر 2021 على الساعة الخامسة مساءًا.

وتتأتي هذه الجلسة الدستورية في إطار الآليات الرقابية المنتجة لمسؤولية الحكومة التي تعد من بين أهم المبادئ والأركان التي تقوم عليها الأنظمة البرلمانية و التي تحقق التوازن بين السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية هو مبدأ المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان و هو المبدأ الذي أخذ به المشرع الدستوري المغربي، فقد خولت أحكام الدستور للبرلمان وسائل ترتب المسؤولية السياسية، وتتمثل في عرض البرنامج الحكومي و بالنظر لأهميته البالغة فهو يشمل في الواقع الخطة العملية الممكنة لكل القطاعات سواء في جانبها الاقتصادي والسياسي أو الاجتماعي أو الثقافي وغيرها، وما تنوي تلك القطاعات الوصول إليه من أهداف خلال فترة زمنية معينة.

ويعد البرنامج الحكومي، عموما، الإطار المحدد للعلاقة المستقبلية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والذي سيفتح المجال، بعد ذلك، لتفعيل آلية الرقابة حول تنفيذ خريطة الطريق التي سطرتها الحكومة عن طريق مناقشة بيان سياستها العامة بعد مرور سنة.

وبالرجوع لمقتضيات دستور فاتح يوليوز 2011، يتبين بأن ممارسة الحكومة لمهامهـا طبقـا للدسـتور، لا يمكـن أن تتـم إلا بعـد تقديـم البرنامـج الحكومـي أمـام مجلسـي البرلمـان مجتمعيـن والحصـول علـى ثقـة الأغلبيـة المطلقـة للأعضـاء الذيــن يتألــف منهــم مجلــس النــواب. وهــذا الشــرط الدســتوري يجعــل مــن تعييـن الملـك لرئيـس الحكومـة وأعضـاء الحكومـة، مجـرد اجـراء أولـي، يحتـاج إلـى ضـرورة إتمامـه اجـراء تنصيـب البرلمـان للحكومـة للاستكمال كافة الإجراءات الدستورية المقررة.

 

عرض البرنامج الحكومي على البرلمان.

ينص الفصل 88 من الدستور المغربي أنه، بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة العمل به، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية.

إن إعداد ملف بحجم البرنامج الحكومي لمدة خمس سنوات ليس بالأمر الهين، حيث يتعين على أعضاء الحكومة تحضير مخططات عمل قطاعاتهم، كل على حدة، ما يستدعي في حد ذاته، وقتا معتبرا خاصة بالنسبة للوزراء الجدد على الطاقم الحكومي.

ويكون البرنامج الحكومي موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب، وتعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة. وهذه المادة تسمح للنواب بدراسة البرنامج الحكومي قبل الشروع في مناقشته في جلسات عامة مخصصة لهذا الغرض.

مناقشة البرنامج الحكومي.

تنص المادة 245 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن يحدد مكتب مجلس النواب باتفاق مع الحكومة جلسة لمناقشة البرنامج الحكومي ويحدد المدة الزمنية الإجمالية للمناقشة في إطار الجلسات المخصصة لها، وتتوزع هذه المدة وفق قاعدة التمثيل النسبي للفرق والمجموعات النيابية والنواب الغير منتسبين.

وترفع الجلسة مباشرة بعد تقديم رئيس الحكومة للبرنامج الحكومي، على أن تتم المناقشة العامة لمشروع البرنامج الحكومي داخل أجل لا يقل عن ثلاثة أيام ولا يتعدى خمسة أيام وتعد هذه المهلة غير كافية لمناقشة هذه الوثيقة الهامة بحجم البرنامج الحكومي وكذا ارتباطه بمبررات خاصة من بينها نقص خبرة التجربة في مجال تشريع والرقابة خاصة بالنسبة للنواب المنتخبين حديثا.

وتتم المناقشة من خلال منح الرئيس الجلسة الكلمة للأعضاء المسجلين للمناقشة، وبعد الانتهاء من المداخلات تمنح الكلمة الأخيرة لرئيس الحكومة للرد على المداخلات، وتعطي الكلمة في الأخير للفرق والمجموعات النيابة لتفسير التصويت.

أما بخصوص النظام الداخلي للمجلس المستشارين فإن المادة 271 تأكد على أن تجرى مناقشة مشروع البرنامج الحكومي وفق المقتضيات خاصة يحددها مكتب المجلس المستشارين باتفاق مع الحكومة من خلال تحديد تاريخ انعقاد الجلسة الخاصة بمناقشة البرنامج الحكومي وتنظم المناقشة وتوزع المدة الزمنية المخصصة للمجلس على أساس التمثيل النسبي للفرق والمجموعات البرلمانية. يتناول الكلمة رئيس الحكومة بعد انتهاء المداخلات ليجيب عن ما ورد فيها من تساؤلات واستفسارات. ويتولى رئاسة الجلسة المشتركة بين مجلسي البرلمان لتقديم البرنامج الحكومي رئيس مجلس النواب.

وتكون المناقشة البرنامج الحكومي بتبادل الرأي بين الطرفين (الحكومة والبرلمان) حول البرنامج المقترح على جميع جوانبه ومجالاته ومناقشة الوسائل التي ينفذ بها. وأثناء المناقشة يكون لنواب والمستشارين الحق في اقتراح التعديلات التي يرونها ضرورية حول هذا البرنامج ويكون رئيس الحكومة غير ملزم بالأخذ هذه الاقتراحات بعين الاعتبار.

التصويت على البرنامج الحكومي والآثار المترتبة عنه.

تعتبر مرحلة التصويت هي الحاسمة التي تعقب مناقشة البرنامج الحكومي واعتماده أو رفضه

التصويت على البرنامج الحكومي:

قبل عرض البرنامج الحكومي على مكتب مجلسي البرلمان يتم عقد مجلس حكومي برئاسة رئيس الحكومة وذلك للعرض ومناقشة والتصويت على البرنامج الحكومي وتداول فيه قبل عرضة على البرلمان حيث تتم مسطرة التصويت داخل مجلس النواب، وفقا ما أسفرت عنه المناقشة الخاصة بالبرنامج الحكومي ضمن الجلسة العمومية الخاصة بمناقشة البرنامج الحكومي وتبقي لرئيس الحكومة كل الصلاحيات والحرية في الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المقدمة من طرف أعضاء مجلسي البرلمان أو الإبقاء عليه كما هو في صيغته الأولية. ومن ثم تأتي عملية التصويت الذي من شأنه تحريك مسؤولية الحكومة إلا أنه يلاحظ وفقا للمقتضيات الفصل 88 من الدستور لم تحدد أي مهلة للرئيس الحكومة لتقديم البرنامج الحكومي أمام مجلسي البرلمان.

وتنص المادة 245 من النظام الداخلي للمجلس النواب أن التصويت على البرنامج الحكومي يتم بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب دون مجلس المستشارين (198 صوتا من أصل 396)، لصالح البرنامج الحكومي. ويعرض رئيس مجلس النواب البرنامج الحكومي للتصويت بالاقتراع العلني بواسطة رفع اليد واحصائها من طرف أمانه المجلس أو عن طريق التصويت الإلكتروني حتى يتم الشروع في تنفيذه.

هذا بالنسبة للمجلس النواب، أما مجلس المستشارين فلا نجد ما يشير في الدستور أو النظام الداخلي للمجلس إلى ضرورة موافقة مجلس المستشارين على البرنامج الحكومي، فهو ملزم بالاطلاع على عرض حول البرامج الحكومي وإمكانية مشاركة أعضائه في المناقشة العامة للخطوط العريضة للبرنامج الحكومي دون أن تكون لهم صلاحية التصويت.

الآثار المترتبة على التصويت على مخطط عمل الحكومة.

ومما تجب الإشارة إليه أن التصويت على البرنامج الحكومي يكون إما بالموافقة وتنفيذ البرنامج الحكومي أو رفضه.

الموافقة على البرنامج الحكومي:

إذا حاز البرنامج الحكومي على موافقة الأغلبية المطلقة للمجلس النواب سيشرع في تنفيذه، والموافقة تعني منح الأدوات القانونية (التشريع) لتنفيذ المخطط من طرف الحكومة، ويتولى رئيس الحكومة تنفيذ وتنسيق برنامج العمل الذي صادق عليه مجلس النواب. وتعتبر الموافقة الصريحة للمجلس النواب على البرنامج الحكومي شرط إجباري حتى تباشر الحكومة اختصاصاتها التنفيذية، بمعنى فإن الغرفة الأولى تفصح من خلال موافقتها الصريحة على الثقة التي تمنحها للحكومة.

عدم الموافقة على البرنامج الحكومي:

إذا كان الدستور 1996 واضحا في الآثار المترتبة عن عدم منح الثقة للحكومة في برنامجها الحكومي، والمتمثلة في تقديم الحكومة لاستقالتها الجماعية أمام جلالة الملك عملا بمقتضيات الفصل 75 من ذات الدستور، فإن الفصل 88 من الدستور المراجع لسنة 2011 لم يورد مقتضيات واضحة في هذا الخصوص، ولم يشر إلى أية إمكانية للاستقالة الجماعية للحكومة في حالة التصويت بالرفض على برنامجها الحكومي، فالفقرة الثانية من الفصل 88 اكتفت بتحديد نصاب التصويت، لصالح البرنامج الحكومي.

في قراءة للمقتضيات الدستورية المتعلقة بالتنصيب البرلماني للحكومي نجد أن المشرع الدستوري أغفل على أمكانية عدم موافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة على البرنامج الحكومي، ونعتقد أن القصد من وراء هذا الاغفال تبرره الأغلبية البرلمانية التي تتوفر عليها الحكومة داخل مجلس النواب وبكونها منبثقة عن أغلبية برلمانية، مما يجعل من إمكانية رفض التصويت ومنح الثقة للحكومة أمرا غير وراد من الناحية السياسية.

 

وبعد مصادقة مجلس النواب على البرنامج الحكومي، تكون الحكومة الجديدة، قد استكملت شروطها الدستورية بخطوات مكرسة دستوريا قبل شروع الحكومة في العمل الميداني لتمارس صلاحياتها وتصبح مسؤولة عن أعمالها أمام البرلمان.

 

 

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.