السياسة ليست خطابات وكلمات وتواصل لغوي فقط ، بل إنها صور ورموز وعلامات سيميولوجية ذات بعد تواصلي خاص قد لا تقوم به الكلمة أو الخطاب.
وحسب علماء تحليل الخطاب فالصورة أبلغ من الخطاب وأعمق من الكلمة، وأكثر تأثيرا من الخطاب أو من الكلمة، خصوصا في المجال السياسي، لكون سيميولوجية الصورة ودلالاتها في العصر الحديث أضحت أداة أساسية داخل منظومة التواصل السياسي.
![]()
فلم تعد الصورة في المجال السياسي مجرد عنصر مكمل للخطاب اللغوي، بل تحوّلت إلى خطاب قائم بذاته يحمل دلالات ومعاني تتجاوز الظاهر إلى البنى العميقة للتمثّل الجماعي، لإنتاج دلالات تعجز الكلمة او الخطاب عن انتاجها. لذلك، أصبحت الصور- اليوم- اكثر قوة لإفراز الرأي العام، وتوجيهه والتحكم فيه والتأثير عليه، وبناء الشرعية الرمزية للفاعل السياسي،وفي هذا السياق، تأتي السيميولوجيا كأداة تحليلية تكشف عن البنى الدلالية داخل الصورة، وتفكك رسائلها الرمزية والبراكماتية .
وبناء على ما سبق، نطرح في هذا المقال تحليلا سيميولوجيا لصورة نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، مع سيدي محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، على هامش اجتماع الجمعية العامة السنوية لشبكة البرلمانيين الافارقة لتقييم التنمية APNODE’’ ‘’بمدينة العيون، صورة شكلت قمة في السيميولوجية البراكماتية الرمزية والدلالية.
هذه الصورة غنية بالدلالات السياسية وبالرسائل الرمزية، بل إنها بنية من أنساق دلالية تهدف إلى إنتاج معنى يخدم وظيفة تواصلية محددة لا يعرف أبعادها الدلالية والاستراتيجية بدقة الا من سربها.
وعليه، تمثل صورة نزار بركة وولد الرشيد رئيس مجلس المستشارين قمة في العلاقات الإنسانية التي تجمع الرجلين، وتجسد الثقة المتبادلة بينهما والاحترام والتقدير بين الزعيمين، وتعكس -أيضا-مستوى الانسجام والتفاهم بينهما على كل المستويات .
ويرى عدد من الباحثين، أن العلاقات الانسانية بين الفاعلين السياسيين تلعب دورا أساسيا في ترسيخ الثقة المتبادلة، وضمان الرؤيا المشتركة حول مسار خارطة طريق الحزب خصوصا زمن الانتخابات، لذلك تجسد صورة نزار بركة وولد الرشيد قمة في العلاقات الإنسانية في زمن ومجال معروفين بالغدر وبالخيانة .
لكن أهم ما تفرزه هذه الصورة – أيضا- تقوية الشرعية والمشروعية بين المركز ومحيطه، وضعية الرجلين في هذه الصورة تثبت الثقة المتبادلة بينهما ، وتجسد تقارب أفكارهما، وتعكس تقديرا خاصا من نزار بركة كأمين عام لحزب الاستقلال ورضاه لكيفية تدبير رئيس مجلس المستشارين للدبلوماسية البرلمانية التي منحها آفاقا جديدة منذ تعيينه رئيسا على هذا المجلس، تصب كلها في خدمة صورة مجلس المستشارين والدبلوماسية الموازية وطنيا ودوليا،
كما تحمل هذه الصورة دلالات رمزية عميقة تجسد تواضع الأمين العام نزار بركة وقربه من قياديي حزبه، علاوة على مجموعة من الإيحاءات والإيماءات، تزكي كونه رجل الإنصات والتواصل واحترام الٱخر، وهي ميزة لصيقة بنزار بركة، حيث تتطابق الرسالة البصرية مع القيم الفعلية للشخص.
والتقاط الصورة خلال لقاء البرلمانات الأفريقية بالعيون يمنح المشهد أبعادًا إضافية تتجاوز الإطار الحزبي الضيق، وتؤكد على أهمية المكان والسياق في علاقاتهما بالصورة.
فوجود الشخصيتين البارزتين في هذا الحدث الدولي والإفريقي يؤكد على النقاط التالية:
– الرمزية الجغرافية والسياسية: اختيار مدينة العيون لاستضافة مثل هذا الحدث له رمزية قوية في تأكيد مغربية الصحراء، خاصة في سياق العمل البرلماني الأفريقي. .وجود قياديين بحجم نزار بركة وحمدي وولد الرشيد في هذا التجمع يعكس الاهتمام الحكومي والحزبي بتعزيز دور الأقاليم الجنوبية كبوابة للمغرب نحو أفريقيا
-الوحدة الحزبية خلف القضية الوطنية: في سياق يتعلق بالقضية الوطنية (تنظيم حدث دولي في العيون)، فإن الصورة تؤكد على أن التوازنات الداخلية لحزب الاستقلال يتم تجاوزها لصالح إظهار الوحدة والتماسك في دعم التوجهات الرسمية للدولة.
وحضور نزار بركة كأمين عام لحزب الاستقلال وكوزير للتجهيز والماء يعطي انطباعًا بأهمية التنسيق بين الأجندة الحكومية والحزبية فيما يخص تنمية الأقاليم الجنوبية وتعزيز مكانتها في العمق الإفريقي.خصوصا بعد القرار الاممي الأخير رقم2797 الذي اكد السيادة المغربية علي الصحراء
واستفراد رئيس ولد الرشيد بنزار بركة في مثل هذا التجمع الرسمي تأكيد على الود، والثقة، والانسجام أمام الضيوف والمشاركين الأفارقة، ،أيضا امام كل الحضور من سلطات محلية وهيآت حزبية.
ومن خلال ما سبق، فأن شكل صورة نزار بركة مع سيدي محمد ولد الزشيد، وسياق التقاطها، تؤكد على الانسجام المؤسساتي والحزبي ووحدة التوجه تجاع القضايا الوطنية الكبرى، وتُبرز مكانة العيون كمركز للتفاعل المغربي-الأفريقي، مع تسليط الضوء على الدور المحوري لعائلة ولد الرشيد في استقبال وتأطير مثل هذه الفعاليات.
ومن المؤكد ان صورة نزار بركة الأمين العام لحزب علال الفاسي وولد الرشيد التي سربت لوسائل الاعلام ليست بالبريئة، وليست مجرد مشهد بصري، بل هي خطاب غير لغوي متكامل الأبعاد يتداخل فيه الرمز التواصل والسياسة، ويمثل فيه البعد الإنساني أحد أهم أدوات صناعة المعنى السياسي، لقدرته على تحريك العاطفة وبناء علاقة وجدانية بين السياسي والمواطن في سياق سياسي وطني دقيق.
خلاصة القول ، تحمل صورة نزار بركة وولد الرشيد بلاغة دلالية في كل تجلياتها، وتجسد لتواصل رمزي مليء بالرسائل يعجز الخطاب اللغوي إنتاجها.
لان من يملك أدوات صناعة الصورة يملك أن يلون العالم كما يشاء، ويقدم نفسه كما يشاء وكما يود أن يراه الآخرون، ليس في عالم السياسة فحسب ولكن في تشكيل الوجدان والسلوك، لأن قوة الصورة بشكلها وبمضمونها تتجلي في اعادة صياغة فكر وثقافة المواطن عن الفاعل السياسي بشكل اخر مختلف عن الكلمة والخطاب في عصر ينعت بعصر الصورة.