بعد أسبوع كامل من الجدل الذي فجره النائب البرلماني أحمد التويزي داخل لجنة المالية، عندما تحدث عن “مطاحن تخلط الورق بالدقيق”، خرج حزب الأصالة والمعاصرة ببلاغ جديد بدا وكأنه محاولة متأخرة لتدارك الموقف، بعد أن ظل صامتا طيلة الأيام الأولى للعاصفة التي أثارتها التصريحات.
التويزي، وهو رئيس الفريق النيابي للحزب، وجد نفسه في قلب زوبعة سياسية وإعلامية غير مسبوقة. فقد تحولت كلماته داخل اللجنة إلى مادة مثيرة للرأي العام، واعتبرها كثيرون اتهاما خطيرا في قطاع حساس يتعلق بصحة المغاربة، قبل أن يخرج بتوضيح يؤكد فيه أن الأمر مجرد استعارة للتعبير عن الفساد الذي ينخر منظومة دعم الدقيق.
لكن المفارقة أن الحزب الذي يفترض أن يكون أول المدافعين عن رئيس فريقه، تجاهل بالكامل الواقعة في بلاغه الصادر بعد يومين من الجلسة، مكتفيا بالحديث عن قضايا الوحدة الترابية، والنجاحات الدبلوماسية، ومشروع قانون المالية، دون أي إشارة إلى التويزي أو لما تعرض له من حملة انتقادات.
هذا التجاهل لم يكن عرضيا، بل عكس ارتباكا داخل قيادة الحزب، التي وجدت نفسها بين خيارين أحلاهما مر: إما الدفاع عن نائبها بما يعني تبني كلامه بكل تبعاته، أو التزام الصمت لتفادي مزيد من الجدل الذي قد يمس بصورة الحزب وموقعه في الأغلبية الحكومية.
وبينما كانت موجة الانتقادات تتسع، سواء داخل البرلمان أو على المنصات الرقمية، ظل المكتب السياسي للبام متحفظا، يراقب المشهد دون أن يحرك ساكنا. حتى بدا وكأنه يترك رئيس فريقه يواجه وحده
عاصفة الرأي العام.
هذا الصمت الذي دام أسبوعا فُسّر داخل الأوساط السياسية بوجود انقسام حقيقي بين جناحين: الأول يرى أن الدفاع عن التويزي واجب تنظيمي وسياسي، والثاني يعتبر أن تصريحاته أضرت بصورة الحزب
الذي يسعى منذ المؤتمر الأخير إلى الظهور بمظهر القوة الهادئة والعقلانية في المشهد الحزبي.
عندما صدر البلاغ الجديد يوم 4 نونبر، بدا واضحا أن القيادة اختارت في النهاية تبني صيغة وسطية، تتحدث عن ضرورة احترام حرية التعبير والحصانة البرلمانية، دون أن تذكر التويزي بالاسم أو تدخل في تفاصيل الواقعة. بلاغ متوازن في الظاهر، لكنه كشف أن الحزب فضّل الرهان على مرور العاصفة بدل مواجهتها مباشرة.
مصادر من داخل الحزب تؤكد أن التأخر في إصدار البلاغ لم يكن عفويا، بل جاء بعد مشاورات مكثفة بين أعضاء المكتب السياسي، خصوصا أن بعضهم حذر من أن أي موقف متسرع قد يفاقم الأزمة بدل أن يطويها. كما أن مقربين من قيادة الحزب أشاروا إلى أن صمت البام كان أيضا محاولة لتقدير الأثر القانوني والسياسي لعبارات التويزي، في انتظار هدوء النقاش داخل البرلمان والرأي العام.
في النهاية، ترك هذا التأخر أثره داخل الحزب نفسه، إذ بدا أن أزمة “طحن الورق” لم تكن فقط زلة لسان من نائب، بل مرآة لحالة تردد في آلية اتخاذ القرار داخل الأصالة والمعاصرة، الذي يعيش منذ فترة صراعا صامتا بين منطق الانضباط الحزبي ومنطق الحسابات السياسية الدقيقة.
وهكذا، بينما حاول البلاغ الجديد أن يعيد رسم صورة الحزب كقوة مسؤولة ومتوازنة، بقي السؤال مفتوحا داخل الأوساط السياسية: هل كان التأخر مجرد تكتيك للتهدئة، أم دليلا على انقسام عميق داخل قيادة البام في التعامل مع الأزمات التي تمتحن تماسكه الداخلي؟