كشف مشروع قانون المالية لسنة 2026 عن زيادة غير مسبوقة في ميزانية الدفاع المخصصة للالتزامات المسبقة، في خطوة تعكس استمرار المغرب في تنفيذ خطته الرامية إلى تحديث وتطوير قواته المسلحة الملكية وتعزيز الصناعة الدفاعية الوطنية.
فقد نصت المادة 35 من مشروع القانون على تحديد النفقات المأذون بها لفائدة الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني في ما يفوق 157 مليار درهم، برسم السنة المالية 2026، وذلك في إطار مخصصات تتعلق بـ”اقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية ودعم تطوير الصناعة الدفاعية”.
وبحسب المقتضيات الواردة في مشروع قانون المالية، فإن الالتزامات بهذا المبلغ ستتم خلال السنة المالية 2026، على أن يتم فتح الاعتمادات الخاصة بها في ميزانية سنة 2027، بما يتيح برمجة الصفقات الكبرى والالتزامات الممتدة على عدة سنوات.
وتعكس هذه الخطوة ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 17,77 في المائة مقارنة بالسنة الماضية، حيث بلغت الميزانية المخصصة في هذا الباب حوالي 133 مليار درهم سنة 2025. هذه الزيادة تؤكد بوضوح توجه الدولة نحو مواصلة تحديث تجهيزات الجيش، توسيع مشاريع البنية التحتية العسكرية، وتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية كأحد أعمدة السيادة الوطنية.
الخبير في الشأن العسكري عبد الرحمان مكاوي أوضح في تصريح لجريدة بلبريس أن مشروع تحديث وتأهيل القوات المسلحة الملكية بالمغرب يشكل ورشاً استراتيجياً ممتداً منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، ويظهر اليوم بشكل جلي في ميزانية الدفاع برسم سنة 2026. هذه الميزانية، بحسب مكاوي، ليست مجرد أرقام حسابية بل تحمل دلالات واضحة على التوجهات الكبرى التي يرسمها القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة، وفي مقدمتها تحديث الجيش وتكوينه ليبلغ مستوى الجيوش الأطلسية والأوروبية المقابلة للمملكة.
وأكد مكاوي

أن عملية التحديث لا تقتصر على اقتناء العتاد العسكري المتطور، بل تشمل أيضاً التكوين والتأهيل على جميع المستويات، سواء في القوات البرية أو الجوية أو البحرية. وأبرز أن المغرب أولى اهتماماً متزايداً بمجال الفضاء، من خلال إطلاق أقمار صناعية عسكرية وتطوير صناعات دفاعية بالاعتماد على الكفاءات المغربية أو عبر شراكات مع دول صديقة. وأشار إلى أن هذا التوجه يعزز الأمن القومي المغربي براً وبحراً وجواً، إضافة إلى المجال السيبراني الذي قطع فيه المغرب خطوات كبيرة عبر إحداث مؤسسات مختصة.
وأضاف الخبير أن الميزانية المرتفعة تعكس طبيعة العتاد العسكري النوعي الذي يقتنيه المغرب، والذي يكون عادة مكلفاً جداً، لكن رغم ذلك تبقى هذه الميزانية أقل بكثير من نظيرتها الجزائرية التي التهمت جزءاً كبيراً من الناتج الداخلي الخام. واعتبر أن هذا الاختيار المغربي منطقي ومفسَّر بحجم التحديات التي تحيط بالمملكة داخلياً وخارجياً، في ظل بيئة إقليمية مضطربة يطبعها الإرهاب والانفصال وأزمات الجوار، إضافة إلى متغيرات الساحة الدولية مثل الحرب في أوكرانيا والصراعات في الشرق الأوسط.
وشدد مكاوي على أن هناك بعداً اجتماعياً حاضراً في هذه المقاربة، حيث يُعطى اهتمام خاص لتحسين أوضاع أفراد القوات المسلحة، سواء عبر الرعاية الصحية أو السكن أو التعليم والتكوين المستمر، وهو ما يعزز جاهزية العنصر البشري ويجعل المؤسسة العسكرية أكثر صلابة.
ولفت الخبير إلى نقطتين أساسيتين تفسران هذه الزيادة في ميزانية إدارة الدفاع الوطني. الأولى تتعلق بالموقع الجيوستراتيجي الحساس للمغرب، الذي يمتد على سواحل الأطلسي والمتوسط ويشرف على مضيق جبل طارق الذي تمر منه نسبة كبيرة من التجارة الدولية. هذا الموقع يفرض امتلاك قوة عسكرية متطورة قادرة على حماية الأمن البحري والحدود، خاصة في ظل ظروف طبيعية ومناخية قاسية تؤدي إلى تآكل العتاد بسرعة وتفرض تحديثه وصيانته باستمرار. أما النقطة الثانية فمرتبطة ببروز الصناعة العسكرية في مجال الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت تشكل عنصراً محورياً في تعزيز قدرات الجيوش. المغرب، بحسب مكاوي، استثمر بشكل وازن في هذا المجال من خلال قرارات المجلس الوزاري الأخيرة التي حددت اختصاصات المديرية العامة للأمن السيبراني والمعلوماتي، ما يترجم بلورة منظور استراتيجي شامل يعيد تنظيم قدرات الجيش المغربي.
وختم مكاوي تصريحه بالتأكيد على أن هذه المقاربة المتكاملة ستجعل من الجيش الملكي المغربي قوة صاعدة إقليمياً، وقوة وازنة على المستوى الدولي في السنوات القليلة المقبلة، قادرة على حماية الأمن القومي للمملكة ومواجهة التحديات التي تفرضها البيئة الجيوسياسية المحيطة.