عاد ملف المضاربات في أسواق السمك إلى الواجهة البرلمانية، بعدما كشفت زكية الدريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، عن توجه حكومي لمراجعة الإطار القانوني المنظم لتجار السمك بالجملة، في محاولة لكبح الاختلالات التي تشهدها سلسلة التسويق.
وأكدت المسؤولة، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، أن هذه المراجعة ستهم بالأساس شروط مزاولة النشاط، بهدف إحكام المراقبة والحد من الممارسات غير المشروعة التي تؤثر على الأسعار.
وأوضحت الدريوش أن الولوج إلى أسواق بيع السمك بالجملة أصبح محصوراً في المهنيين الحاصلين على البطاقة المهنية، والذين يفوق عددهم 10 آلاف، معتبرة أن هذا الإجراء يشكل آلية أساسية لتتبع مسار المنتوج السمكي، وتعزيز الشفافية، ومحاصرة المضاربة. كما شددت على أن الحكومة، بتنسيق مع مختلف المتدخلين، تسعى إلى تأمين تزويد منتظم للأسواق الوطنية وضبط الأسعار، في إطار مجهودات أوسع لحماية القدرة الشرائية للمواطنين.
وفي السياق ذاته، أبرزت كاتبة الدولة أن تدخلات قطاع الصيد البحري تندرج ضمن رؤية استراتيجية شاملة، تقوم على ضمان وفرة الموارد السمكية واستغلالها بشكل عقلاني ومستدام، إلى جانب تطوير البنيات التحتية المرتبطة بالتسويق وتثمين المنتوج.
وأضافت أن هذه الرؤية تشمل توسيع شبكة أسواق بيع السمك بالجملة، وتنشيط الأسواق المحلية، بما يعزز المنافسة المشروعة ويحد من هيمنة الوسطاء.
وأشارت الدريوش إلى أن هذه المقاربة أفضت إلى إحداث بنية تحتية تضم أزيد من 70 سوقاً لبيع المنتوجات البحرية، من بينها 61 سوقاً تعتمد رقمنة المزاد العلني، وهو ما ساهم في رفع مستوى الشفافية داخل السوق الداخلية ومنح دينامية جديدة لتداول المنتوجات البحرية. كما تم، في إطار شراكات مع الجماعات الترابية، إنجاز 10 أسواق للبيع الثاني بالجملة، إلى جانب سوقين في طور الإنجاز، وبرمجة إحداث 8 أسواق قرب عصرية للبيع بالتقسيط في أفق سنة 2027.
في المقابل، لم تمر هذه المعطيات دون انتقادات برلمانية، إذ اعتبر حسن أيت اصحا، عضو فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، أن المضاربة في أسواق السمك لم تعد ظرفية، بل تحولت إلى ظاهرة بنيوية تمس بشكل مباشر القدرة الشرائية للمواطن ونظامه الغذائي. وسجل أن أثمنة السمك، خصوصاً الأصناف ذات الاستهلاك الواسع، تعرف ارتفاعاً غير مبرر رغم المؤهلات البحرية الكبيرة التي تزخر بها البلاد.
وتوقف المستشار البرلماني عند ارتفاع سعر السردين، الذي كان يُعرف بكونه “سمك الفقراء”، ليصل في بعض الأسواق الشعبية إلى نحو 30 درهماً للكيلوغرام، معتبراً أن هذه الأسعار لا تعكس وفرة المنتوج ولا مجهودات الصيادين، بقدر ما تكشف عن توسع شبكات المضاربة وتعدد الوسطاء داخل منظومة التسويق.
وختم أيت اصحا مداخلته بالدعوة إلى تشديد المراقبة على الأسعار، وإرساء حكامة فعالة داخل أسواق السمك، مع تعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين، حتى تصل الثروة السمكية الوطنية إلى موائد المغاربة بأثمنة عادلة وفي متناول جميع الفئات الاجتماعية، بدل أن تبقى رهينة لممارسات وصفها بغير المشروعة وغير الأخلاقية.