كشف تقرير الموارد البشرية المرفق بمشروع قانون المالية لعام 2026 عن تزايد حضور النساء في مناصب القرار بالإدارة العمومية خلال العقد الأخير، رغم بطء وتيرة هذا التقدم واستمرار الفجوة بين نسبتهن في الوظيفة العمومية ومواقع المسؤولية العليا.
وتشير البيانات الإحصائية الواردة في التقرير إلى أن الدينامية النسوية تتجلى بشكل واضح في عدة قطاعات، حيث تصل نسبة النساء في قطاع إعداد التراب الوطني والإسكان إلى 32% من إجمالي التعيينات، و11% في التعليم العالي، و8% في قطاعي الصناعة والتجارة. كما سجلت النساء حضورا لافتا في مناصب المفتشات العامات بنسبة 21.8%، والمديرات بنسبة 16.6%، مقابل تمثيلية محدودة في المناصب الأكاديمية العليا، حيث لا تتجاوز نسبة العميدات 7% ورئيسات الجامعات 6.9%.
ويبين تتبع تطور هذه الأرقام بين 2015 و2025 ارتفاع تدريجي في تمثيلية النساء بالمناصب العليا، إذ ارتفعت النسبة من 12% عام 2020 إلى 14% في تقرير 2023، ثم إلى 15.5% عام 2025، أي بزيادة 3.5 نقاط مئوية خلال خمس سنوات. ورغم هذا الاتجاه الإيجابي، لا يزال تحقيق المناصفة الدستورية هدفاً لم يتحقق بعد.
ويؤكد التقرير استمرار قطاع إعداد التراب الوطني والإسكان في ريادته بتمكين النساء، حيث ارتفعت نسبة التعيينات النسوية من 26% عام 2020 إلى 32% عام 2025، ما يعكس سياسة تشجع الكفاءات النسائية وإتاحة فرص الترقّي. بالمقابل، ظل قطاع التعليم العالي مستقراً عند حدود 10–11%، في حين شهد قطاع الصناعة والتجارة نمواً ملحوظاً من 5% عام 2020 إلى 8% عام 2025.
ورغم هذا التقدم، يلفت التقرير إلى وجود فجوة واضحة بين نسبة النساء في الوظيفة العمومية (حوالي 35%) ونسبتهن في مواقع القرار العليا (15.5%)، مشيراً إلى استمرار ما يُعرف بـ«السقف الزجاجي» الذي يحد من وصول الكفاءات النسائية إلى أعلى المراتب الإدارية والأكاديمية.
ويضع التقرير هذه المعطيات ضمن رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الرأسمال البشري وتحديث أساليب التدبير العمومي، بما يسهم في ترسيخ أسس الدولة الاجتماعية. ويشير إلى أن المغرب يتجه نحو إدارة أكثر مهنية وفعالية، تعتمد على الحوار الاجتماعي، والرقمنة، وتبسيط المساطر، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الخدمات العمومية.
ومع ذلك، يوضح التقرير أن هذه الدينامية تثير تساؤلات حول قدرة المرفق العمومي على مواكبة التحولات العميقة الناتجة عن الرقمنة، سواء في مجال تأهيل الموارد البشرية، أو ضمان العدالة المجالية، أو الحفاظ على الاستدامة المالية.
في الجزء الثاني من التقرير المعنون بـ«التعيين في المناصب العليا ومناصب المسؤولية»، يقدم التقرير بيانات دقيقة حول التحولات في الإدارة المغربية، حيث بلغت نسبة النساء المعينات في المناصب العليا بين 2015 و2025 حوالي 15.5% من إجمالي التعيينات، أي 220 تعييناً نسوياً من أصل 1422 منصباً.
ويخلص التقرير إلى أن بلوغ المناصفة الفعلية لا يقتصر على رفع نسب التعيين، بل يتطلب تغييرات عميقة في الثقافة التنظيمية للإدارة المغربية، تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص وفتح مسارات واضحة للترقي والتكوين. المناصفة، كما يؤكد التقرير، ليست مجرد هدف رقمي، بل شرط أساسي لبناء إدارة حديثة وشفافة تعكس تنوع المجتمع المغربي وكفاءاته، وتضع الرأسمال البشري في قلب الإصلاح الإداري والتنمية المستدامة.