في ظل تحولات جيوسياسية واقتصادية تشهدها الأسواق العالمية، استطاع المغرب أن يرسّخ موقعه كأحد أبرز مزوّدي الهند بالأسمدة، حيث صدّر خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2025 ما قيمته حوالي 587 مليون دولار أمريكي من هذه المادة الحيوية، محققًا بذلك قفزة نوعية في صادراته نحو الهند تجاوزت الضعف مقارنة بالسنة الماضية، وفق ما أفاد به تحليل لوكالة “ريا نوفوستي” الروسية اعتمادًا على بيانات رسمية من وزارة التجارة والصناعة الهندية.
هذا الأداء اللافت مكن المملكة من احتلال المرتبة الثالثة ضمن لائحة كبار موردي نيودلهي بالأسمدة، خلف كل من روسيا والسعودية، ما يعكس تنامي الثقة في جودة الأسمدة المغربية، وخاصة تلك المنتجة من طرف المكتب الشريف للفوسفاط، الذي يواصل توسيع نفوذه على الصعيد الدولي.
وتزامن هذا التقدم المغربي مع ارتفاع ملحوظ في واردات الهند من الأسمدة الروسية، التي بلغت في شهر يوليوز وحده قرابة 281 مليون دولار، وهو أعلى مستوى منذ منتصف عام 2023. وبلغ إجمالي مبيعات روسيا من الأسمدة إلى الهند خلال السبعة أشهر الأولى من السنة الجارية حوالي 1.3 مليار دولار، تلتها السعودية بـ885 مليون دولار، فيما جاء المغرب في المركز الثالث، متقدماً على عدد من المزودين الدوليين.
هذا التغير في خارطة الإمدادات جاء في وقت تتهيأ فيه الصين، التي كانت المورّد الأول للهند، إلى فرض قيود جديدة على صادرات الأسمدة انطلاقًا من أكتوبر المقبل، وهو ما دفع الحكومة الهندية إلى البحث عن شركاء تجاريين بديلين، مع التركيز أيضاً على تطوير الصناعة المحلية للأسمدة، خصوصاً الأسمدة القابلة للذوبان في الماء.
وفي هذا السياق، صرّح راجيف تشاكرابورتي، رئيس جمعية صناعات الأسمدة القابلة للذوبان في الهند، بأن البلاد تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال البحث والابتكار المحليين، مع تحويل الهند من دولة مستوردة إلى دولة مُصدّرة للأسمدة المتخصصة. ولفت إلى أن الطرح التجاري للأسمدة المطوّرة محلياً قد يتم في غضون عامين، باستخدام تقنيات صديقة للبيئة، معترفًا بأن معظم التكنولوجيات المستعملة حاليًا في الصناعة الهندية “مستوردة”، ما يُثقل كاهل المنتجين المحليين بتكاليف مرتفعة.
في غضون ذلك، تواجه الشركات الهندية صعوبات متزايدة في تأمين الإمدادات الكافية من الأسمدة المتخصصة، وهو ما أدّى خلال شتنبر الجاري إلى ارتفاع الأسعار محليًا، ودفع كبار الموردين إلى تكثيف البحث عن بدائل لتفادي تداعيات الإجراءات الصينية المرتقبة.
في هذا السياق الدولي المتقلب، يُنظر إلى المغرب كمورّد استراتيجي موثوق، قادر على لعب دور محوري في سد فجوة الإمدادات بالأسواق العالمية، مستفيدًا من قدرته الصناعية وخبرته الممتدة في قطاع الأسمدة، وهو ما قد يفتح الباب أمام شراكات طويلة الأمد بين الرباط ونيودلهي، في إطار علاقة رابح-رابح.