في تحليله الأخير على أثير إذاعة فرنسا الدولية، أضاء الصحافي الفرنسي البارز فرانسوا سودان، مدير نشر مجلة “جون أفريك”، على مشهد التحولات العميقة في منطقة الساحل، مسلطاً الضوء على تراجع الحضور الجزائري في مقابل الصعود الواضح للدبلوماسية المغربية.
فقد كشف سودان أن العروض التي تحاول الجزائر من خلالها لعب دور الوساطة بين مالي والنيجر تصطدم برفض واضح من السلطات العسكرية الحاكمة في البلدين، وهو ما يعكس فقدان الجزائر لمكانتها التقليدية كوسيط في المنطقة.
وأشار إلى أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي اقترح مؤخراً التوسط بين باماكو والمتمردين الطوارق، يدرك تماماً أن المبادرة محكوم عليها بالفشل، خاصة وأن مالي تتهم الجزائر بإيواء بعض قادة التمرد وشخصيات دينية مؤثرة مثل الإمام ديكو. كما أوضح أن خلفية هذا التوتر تعود إلى تناقض استراتيجي؛ فالجزائر تحاول استرضاء الطوارق خشية انتقال الصراع إلى مناطقها الجنوبية الغنية بالموارد النفطية والغازية.
التراجع الجزائري في الساحل، حسب سودان، لم يكن وليد اللحظة، بل تجسد في خسارتين واضحتين: انسحاب مالي من اتفاق الجزائر عام 2024، ورفض نيامي في 2023 الخطة الانتقالية التي طرحتها الجزائر. هذه التطورات، إلى جانب أكثر من عقد من الانكفاء السياسي والاقتصادي منذ مرض بوتفليقة والاحتجاجات الشعبية، جعلت رؤية الجزائر للساحل محصورة في البعد الأمني، بعيداً عن استثمار إمكانياته الاقتصادية.
في المقابل، يظهر المغرب كلاعب إقليمي صاعد برؤية شمولية تجمع بين الاقتصاد والدين والأمن، فيما يسميه سودان بـ“الاستراتيجية الأطلسية”، التي تهدف إلى ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي. هذه الرؤية، التي تحمل بعداً جيوسياسياً واضحاً، تضع المغرب في موقع الوسيط الموثوق بين تحالف الساحل وأوروبا و”إيكواس”، كما تفتح أمامه آفاق سوق واعدة. وبينما تنشغل الجزائر في خطاب المؤامرات واتهام المغرب وإسرائيل والإمارات، يتحرك المغرب بخطوات محسوبة تعزز حضوره وتكرّس تراجعه الإقليمي كمنافس وحيد فاعل في المنطقة.