مأساة الطريق 114.. دماء العاملات تفضح نقلًا مهينًا

في فجر يوم 13 فبراير 2024، اهتز دوار بوعصيدة بجماعة سيدي أحماد اعمر بإقليم تارودانت على وقع فاجعة جديدة، حيث لقيت ثلاث عاملات زراعيات مصرعهن وأصيبت عشر أخريات بجروح متفاوتة الخطورة، إثر انقلاب سيارة نقل كانت تقل 14 عاملاً زراعيًا في طريقهم إلى إحدى الضيعات الفلاحية على الطريق الجهوية رقم 114 الرابطة بين أكادير وتارودانت.

الحادث الذي وقع في الساعة السابعة والنصف صباحًا، فجّر نقاشًا مؤلمًا عن ظروف نقل العاملات الزراعيات، وظروف اشتغالهن، ومظاهر الهشاشة التي تحيط بهن من كل جانب، ليكشف واقعًا صادمًا يتكرر بصمت في عدد من المناطق الفلاحية.

وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، كشف في جواب رسمي على سؤال برلماني، أن الحادث نتج عن فقدان السائق السيطرة على السيارة النفعية، ما أدى إلى انقلابها، مؤكدًا أن الضيعة التي كان العمال في طريقهم إليها لم تكن نشطة في ذلك الوقت، وأن جني محصول البازلاء كان قد انتهى قبل أيام.

التحقيقات التي باشرتها المصالح المختصة أظهرت أن المسؤول عن نقل العاملات لم يكن مالك الضيعة، بل شخص آخر اشترى المحصول وتولى استقدام اليد العاملة، في ظل غياب أي مؤشرات على تأمين الضحايا ضد حوادث الشغل، أو تقيد المشغل بالتشريعات الاجتماعية، الأمر الذي استدعى مراسلته من طرف المديرية الإقليمية للشغل.

الوزير السكوري أقرّ بصعوبة ضبط وتنظيم نقل العمال الزراعيين، خاصة في ظل تنامي ظاهرة “النقل المزدوج”، حيث يتم شحن العاملات في ظروف غير إنسانية، دون أدنى شروط السلامة، في خرق واضح لمقتضيات المرسوم رقم 2.04.568، الذي يُلزم المشغل بتوفير وسائل نقل ملائمة من محل الإقامة إلى الضيعة ذهابًا وإيابًا، عند غياب وسائل النقل العمومي.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات المطالِبة بتحسين أوضاع العاملات الزراعيات، تشير المعطيات الرسمية إلى أن مفتشي الشغل أنجزوا خلال سنة 2023 أزيد من 52 ألف زيارة مراقبة، من بينها حوالي 2.000 زيارة للقطاع الفلاحي فقط، وأسفرت عن إصدار أكثر من 17 ألف ملاحظة تخص هذا القطاع، منها ملاحظات تتعلق بالأجر، والضمان الاجتماعي، والسلامة المهنية، والتأمين ضد الحوادث.

الوزارة أكدت أن مصالحها تبذل جهودًا لحماية حقوق الضحايا وذويهم، عبر ضمان حصولهم على التعويضات القانونية سواء عبر مسطرة الصلح أو المسار القضائي، لكنها في الوقت ذاته تقرّ بأن التحديات لا تزال قائمة، وأن الواقع يتطلب إجراءات أكثر صرامة لحماية هذه الفئة من العاملات، اللواتي يتحملن عبء العمل في صمت، ويدفعن الثمن أحيانًا بأرواحهن.

ورغم كل الشعارات والوعود، تبقى الأسئلة معلقة: كم من ضحية أخرى نحتاج لنعي خطورة الوضع؟ ومتى تتحول حماية العاملات الزراعيات من مجرد نصوص قانونية إلى واقع ملموس على الطرقات وفي الحقول؟

Demander à ChatGPT

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *