في خطابه بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، حرص الملك محمد السادس على إبراز التوجه الاجتماعي بوصفه العمود الفقري للنموذج التنموي المغربي الجديد، واضعًا مسافة واضحة بين منطق الإنجاز الاقتصادي الصرف، ومنطق الأثر الملموس على حياة المواطنين، في كل المناطق والجهات، وإذا كان المغرب قد حقق قفزات لافتة في مؤشرات التنمية، فقد جاء الخطاب ليؤكد أن لا جدوى من النمو إذا لم يُترجم إلى إنصاف اجتماعي وترابي.
ولم يكتف الملك بتعداد المنجزات، بل قاد من خلال خطابه جردًا سياسيًا دقيقًا، وقراءًة استراتيجية لمسار استمر لأكثر من ربع قرن، عنوانه الأبرز: بناء دولة اجتماعية، بمؤسسات قوية، ورؤية استباقية، تراهن على الإنسان في قلب المشروع التنموي، من تعميم التغطية الصحية، إلى إطلاق الدعم المباشر للأسر المستحقة.”
في هذا السياق، اعتبر الميلودي موخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، في تصريح خص به “بلبريس”، أن الخطاب الملكي يشكل “جردًا صريحًا ومفتوحًا لحصيلة اجتماعية متميزة”، مؤكداً أن المغرب لم يعد فقط في طور بناء المؤسسات، بل بات يلامس فعلياً مؤشرات الدول الصاعدة بفضل الأوراش الاجتماعية الكبرى التي تم إطلاقها في السنوات الأخيرة.

وأبرز موخاريق أن ورش تعميم الحماية الاجتماعية أنقذ ملايين الأسر من الهشاشة، عبر مظلات متعددة تشمل التغطية الصحية، والتقاعد، والتعويض عن فقدان الشغل، والتعويضات العائلية، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات تعكس إرادة سياسية حقيقية في إعادة توزيع الثروة بطريقة أكثر عدلاً وشمولاً.
وأضاف المتحدث نفسه، أن الخطاب حمل أيضًا إشارات قوية إلى ما وصفه بـ”المعضلة البنيوية” التي تعاني منها التنمية في المغرب، وهي التفاوت المجالي، حيث أقر الملك نفسه بأن مغرب اليوم لا يمكن أن يسير بسرعتين: جهات مزدهرة تنعم بالبنية التحتية والاستثمارات، وأخرى لا تزال متعثرة، وهو ما فتح الباب أمام ما وصفه موخاريق بـ”الجيل الجديد من البرامج التنموية الترابية”، والذي يتأسس على مقاربة جديدة، تنبذ منطق المركزية وتراهن على الجهوية المتقدمة والخصوصيات المحلية.
وجاء الخطاب محمّلاً أيضًا بلغة الإنجاز، دون أن يغفل عن لغة النقد الذاتي، وهي سمة تُحسب للخطاب الملكي باعتباره وثيقة تقييمية وسياسية في آن الأرقام التي كشف عنها جلالة الملك بخصوص تراجع نسبة الفقر متعدد الأبعاد، وبلوغ المغرب عتبة “التنمية البشرية العالية”، ليست مجرد مؤشرات تقنية، بل تعكس مسارًا طويلًا من الإصلاحات الصامتة التي طالت الصحة، والتعليم، والحماية الاجتماعية، وهي القطاعات التي اعتبرها الخطاب محاور ذات أولوية قصوى في المرحلة المقبلة.
وبين ثنايا الخطاب، بدا واضحًا أن الرهان الاجتماعي في المغرب لم يعد “مُلحقًا اقتصاديًا”، بل أصبح بوصلته الأساسية، في ظل إقرار ملكي بأن لا تنمية اقتصادية مجدية إذا لم تمس حياة المواطن البسيط في البادية والمدينة، في الجنوب والشمال، على السواء.
لهذا، فإن المرحلة القادمة، كما فهمها المراقبون، ستكون مرحلة “التنمية بالإنصاف”، وتجاوز منطق المشاريع الموزعة بمقاربة إدارية، نحو مشاريع مندمجة، قائمة على التكامل المجالي، والتشغيل المحلي، والبنيات الاجتماعية ذات الأثر المباشر.