في خطوة تُعد محطة مفصلية في مسار التنظيم الذاتي للصحافة بالمغرب، صادق مجلس النواب، يوم الإثنين 22 يوليوز 2025، على مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، بعد مسار تشريعي حافل بالنقاشات المؤسساتية والمهنية، وذلك عقب مرحلة انتقالية دامت لأكثر من سنتين أشرفت عليها اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر منذ أكتوبر 2022.
الحدث لم يمر دون أن يثير اهتمام الفاعلين في المشهد الإعلامي، وعلى رأسهم المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، الذي أصدر بلاغًا صحافيًا يتضمن موقفًا تحليليًا واستشرافيًا حول المشروع، مؤكدًا من خلاله انخراطه المتواصل في مواكبة الإصلاحات التشريعية المرتبطة بحرية الصحافة، وسعيه إلى تعزيز استقلالية المهنة وتكريس التعددية الإعلامية.
تنظيم ذاتي ديمقراطي.. مكاسب تستحق التنويه
أعرب المنتدى، في بلاغه، عن ترحيبه بجملة من المكاسب التي جاء بها مشروع القانون في صيغته الحالية، وعلى رأسها إقرار آلية الانتخابات المباشرة عبر الاقتراع الفردي واحترام مقاربة النوع، وهو ما اعتبره خطوة جوهرية نحو تمكين الصحافيين من اختيار ممثليهم ومحاسبتهم ديمقراطيًا، بعيدا عن أي تدخلات فوقية أو ترتيبات بيروقراطية.
كما ثمّن المنتدى استيعاب المشروع لعدد من المقترحات التي سبق له رفعها إلى المؤسسات المعنية، سواء كليًا أو جزئيًا، والتي تصب في اتجاه تحصين المهنة واستعادة مكانتها في المجتمع، فضلًا عن تمكين الجسم الصحافي من آليات أفضل للدفاع عن الحقوق والمكتسبات.
ملاحظات جوهرية ونقاش مؤسساتي مطلوب
ورغم إشادته بالمضامين الإيجابية، لم يُخفِ المنتدى بعض التحفظات المهمة، التي تستدعي – حسب تعبيره – “نقاشًا هادئًا ومسؤولًا”، خاصة فيما يتعلق بالصبغة الزجرية للعقوبات التأديبية التي نص عليها المشروع، دون توفير منظومة حماية موازية تضمن استقلالية الصحافيين وتحصنهم من الضغوط داخل مؤسساتهم الإعلامية.
ودعا المنتدى، في هذا السياق، إلى إعادة النظر في تركيبة المجلس الوطني للصحافة عبر تعزيز تمثيلية الصحافيين المهنيين مقارنة بالناشرين، وضمان مساهمتهم الفعلية في إعداد التقرير السنوي حول حرية الصحافة والانتهاكات، حتى يكون هذا التقرير بمثابة مرآة حقيقية لمستوى الحريات وتحديات الممارسة المهنية بالمغرب.
بين الاقتصاد والتعددية.. تساؤلات حول معيار التمثيلية
واعتبر المنتدى أن اعتماد رقم المعاملات كمحدد لتمثيلية المؤسسات الإعلامية قد يُخل بمبدأ التعددية، ويقصي المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تمثل ركيزة أساسية في المشهد الإعلامي الوطني. ولهذا، أوصى بضرورة مراجعة هذا المعيار لضمان عدالة التمثيل وتكافؤ الفرص بين مختلف الفاعلين.
نحو حماية الاستقلالية التحريرية
في سعي منه لترسيخ الممارسات الفضلى، اقترح المنتدى إحداث هيئات تحرير منتخبة داخل المؤسسات الإعلامية الكبرى، تُناط بها مهام السهر على احترام أخلاقيات المهنة واستقلالية الصحافيين عن أي تأثير خارجي، على أن يُدمج هذا التصور ضمن الميثاق الوطني لأخلاقيات الصحافة والنشر، المزمع تحيينه من طرف المجلس الجديد.
التنظيم الذاتي.. أداة لحماية المهنة لا لتأديبها
أكد المنتدى المغربي للصحافيين الشباب أن الغاية من التنظيم الذاتي لا تكمن في العقاب أو الضبط الإداري، بل في صيانة كرامة الصحافيين، وتعزيز أخلاقيات المهنة، وحماية حرية التعبير في إطار مؤسساتي ينسجم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
خطوات قادمة: مذكرة شاملة لإصلاح قانون الصحافة والنشر
وفي ختام بلاغه، أعلن المنتدى عن شروعه في إعداد مذكرة شاملة تتعلق بمراجعة قانون الصحافة والنشر، تضم مقترحات عملية وتصورات تشاركية، بهدف إرساء إطار قانوني عصري يواكب التحولات الرقمية، ويحمي استقلالية الصحافة ويكرس الثقة في التنظيم الذاتي كرافعة للديمقراطية وخدمة المجتمع.
في الوقت الذي يُعاد فيه رسم ملامح المجلس الوطني للصحافة، يبقى الرهان الحقيقي في ترجمة هذا الإصلاح إلى آليات عملية تضمن حرية الصحافيين، وتُعزز ثقة المجتمع في المهنة، بعيدًا عن منطق الرقابة والانضباط الفوقي.