في بيان استثنائي يختزل حجم المأساة الإنسانية في قطاع غزة، حذّرت وكالة الأنباء الفرنسية (AFP) من أن آخر طاقمها الصحافي المتبقّي في القطاع بات مهددًا بالموت جوعًا، في ظل الحصار الخانق والانهيار الكامل للظروف المعيشية، مؤكدة أن هذه هي المرة الأولى منذ تأسيسها عام 1944 التي تواجه فيها احتمال فقدان صحافييها بسبب الجوع، رغم عملها لعقود في مناطق النزاعات حول العالم.
ومنذ انسحاب طاقمها الدولي في عام 2024، تعتمد الوكالة على شبكة محلية صغيرة داخل غزة تتكوّن من محررة واحدة، وثلاثة مصورين فوتوغرافيين، وستة مصوري فيديو، إلى جانب عدد من المساعدين، لتوثيق ما يجري داخل القطاع المغلق أمام الصحافة الدولية منذ ما يقارب العامين، وفي ظل استمرار القصف الإسرائيلي وتدهور الأوضاع الإنسانية، بات هؤلاء الصحافيون يواجهون ظروفًا قاسية تهدد حياتهم اليومية، وتُعيق قدرتهم على الاستمرار في أداء مهامهم.
ويسرد البيان حالة الصحافي بشار، الذي يعمل مع الوكالة منذ عام 2010، وبدأ مشواره كمنسق ميداني قبل أن يصبح مصورًا معتمدًا عام 2024، والذي في منشور له على فيسبوك بتاريخ 19 يوليوز الجاري، كتب: “لا أملك القوة للعمل مع وسائل الإعلام، جسدي نحيل ولم أعد قادرًا على العمل”.
ويبلغ بشار 30 عامًا، ويعيش مع أسرته في أنقاض منزلهم المدمر منذ فبراير الماضي، معانيا من مشاكل صحية خطيرة ناتجة عن سوء التغذية، كما فقد شقيقه مؤخرًا بسبب الجوع، وفق ما أفاد به للوكالة.
ورغم تلقيهم أجورًا شهرية، فإن الوضع المالي للصحافيين المحليين في غزة يظل كارثيًا، فالأسعار تفوق طاقتهم الشرائية، وتحويل الأموال يتم عبر وسطاء يفرضون عمولات مرتفعة قد تصل إلى 40%، في حين يُعد نقص الوقود عائقًا إضافيًا، إذ يُجبرهم على التنقل سيرًا على الأقدام أو باستخدام عربات بدائية، وهو واقع يجعل من تغطية الأخبار مهمة شبه مستحيلة.
ومن جنوب القطاع، تواصل الصحافية أحلام عملها رغم التهديدات والمخاطر، وتقول في تصريحها للوكالة: “في كل مرة أغادر الخيمة لتغطية حدث أو إجراء مقابلة، لا أعلم إن كنت سأعود حيّة”، مؤكدة أن أكبر التحديات التي تواجههم حاليًا هي انعدام الغذاء والماء، ورغم اليأس الذي يطبع رسائلهم اليومية، لا تزال أحلام وزملاؤها يواصلون العمل، مصمّمين على توثيق الحقيقة في مواجهة محاولات إسكاتها.
وأكدت الوكالة في بيانها أنها تخشى تلقي خبر وفاة أحد مراسليها في أية لحظة، واصفة هذا الاحتمال بـ”غير المحتمل”، وأضاف بشار في رسالة أخرى: “لأول مرة في حياتي، أشعر بأنني سأموت… أتمنى أن يساعدني الرئيس ماكرون في الخروج من هذا الجحيم”، أما أحلام، فلا تزال تقاوم وتقول: “أحاول أن أواصل عملي، أن أوصل صوت الناس، وأوثّق الحقيقة، هنا، ليست مهنة، بل ضرورة”.
وطيلة أكثر من ثمانين عامًا من تغطية النزاعات عبر العالم، خسرت وكالة الأنباء الفرنسية صحافيين في ميادين الحرب، لكنها لم تُواجه يومًا خطر فقدان مراسليها جوعًا.