توقف وزير العدل عبد اللطيف وهبي عند نقطة أثارت الكثير من النقاش البرلماني، خصوصا المادتين 3 و7 من مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، الثلاثاء، أمام مجلس النواب، ويتعلق الأمر بصلاحيات المجتمع المدني في التبليغ عن جرائم الفساد.
وأوضح الوزير أن مشروع القانون لا يمنع جمعيات المجتمع المدني من التفاعل مع قضايا الفساد، لكنه يشدد على ضرورة إعادة تنظيم هذا التدخل، بشكل يحفظ الضمانات القانونية ويمنع التسيب أو الاستغلال غير المشروع لصفة “جمعية مدنية”.
وأكد أن النص المقترح يمنح الأولوية في التبليغ لمؤسسات الرقابة الرسمية، كالمجلس الأعلى للحسابات والهيئات الدستورية المتخصصة، وهو ما يضمن حماية قرينة البراءة وتفادي تشهير قد يطال أبرياء.
وشدد وهبي على أن فتح المجال أمام الجمعيات لمباشرة المتابعات القضائية بشكل مباشر من شأنه أن يدخل القضاء في دوامة من القضايا الموجهة بخلفيات غير قضائية، وهو أمر يجب الحذر منه في ظل وجود مؤسسات رسمية مؤهلة لمحاربة الفساد بفعالية ومسؤولية.
وفجّر عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، جدلاً سياسياً وقانونياً واسعاً خلال مناقشة مشروع قانون المسطرة الجنائية، بعدما أطلق اتهامات مباشرة، دون ذكر الأسماء، في حق رئيس جمعية لمحاربة الفساد، متهماً إياه بالاستفادة من “فيلا” في إطار مشروع غير مكتمل، معتبراً هذا المعطى دليلاً على “تناقض بعض من يدّعون الدفاع عن المال العام، وهم في الواقع يلعبون دور الملائكة زوراً”، على حد تعبيره.
وهبي وجّه أيضاً انتقادات شديدة لكيفية التعامل مع شكاوى الفساد ضد المنتخبين، مؤكداً أن العديد منها يتم حفظها أو تظل حبيسة دواليب الأمن بدون مبرر. وقال: “ما يهمني هو رئيس بلدية نزيه يتعرض للتشهير والمعاناة، وليس جمعوي ينظم الندوات بحثاً عن بطولة أخلاقية زائفة عبر الإعلام.”
وفي رسالة موجهة للجمعيات النشيطة في مجال محاربة الفساد، أكد وهبي أن مشروع المسطرة الجنائية الجديد لا يستهدفها، لكنه يسعى لتنظيم عملها والحد من الخلط بين المبادئ الحقوقية والمزايدات السياسية.
وفي معرض رده على تدخلات الفرق البرلمانية، تطرق الوزير أيضاً إلى قضية بيع الدبلومات بجامعة ابن زهر، متهماً أستاذاً جامعياً يُدعى قليش، يترأس جمعية سبق أن وقّعت اتفاقية مع وزير عدل سابق، بالتورط في هذه الفضيحة التي هزت الرأي العام مؤخراً.
بالطبع، إليك الصياغة بصيغة “قال… وأضاف… وتابع… وشدد…” بأسلوب رسمي وفصيح:
وقال عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، خلال مداخلته في الجلسة البرلمانية:
“أود أولاً أن أشكر السيد وزير العدل، كما أشكر السيد وزير الداخلية على دفاعهما عن المنتخبين، وعلى حرصهما على ممارسة السياسة بروح من المسؤولية والأخلاق.”
وأضاف: “نحن معكما ضد الابتزاز والاتجار بقضايا المواطنين، وخاصة عندما يستهدف المنتخبين، أياً كان مصدر ذلك، سواء من أشخاص أو هيئات. نحن لا نخوض هذا النقاش بمنطق ثنائية الأخيار والأشرار، بل ننتمي إلى أحزاب مسؤولة تدرك تعقيدات الواقع، وتعرف أن من بين صفوفها من يتعرض للمتابعة ظلماً وعدواناً، كما أشرتم في مداخلتكم.”
وتابع قائلاً: “نحن مع وزير الداخلية، لكن هل الحكومة بأكملها معه؟ لقد رأيناها تسحب القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وتضارب المصالح، في وقت لا تزال فيه مظاهر المحسوبية والزبونية تطغى، والصفقات المشبوهة تثير الشكوك يوماً بعد يوم. هذا لا يعكس توجهاً إصلاحياً حقيقياً.”
وشدد بوانو: “الدستور واضح في ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما يؤكد على الديمقراطية التشاركية في الفصلين 12 و13. لكن عندما نقارن مع التجارب الدولية، لا نجد مسطرة جنائية تُفعّل بالطريقة التي نراها اليوم في بلادنا. كما أن مواقف مؤسسات دستورية وهيئات مستقلة، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهيئة النزاهة والوقاية من الفساد، كلها عبّرت عن ملاحظات جوهرية تجاه هذا التوجه.”
وختم قائلاً: “نحن مع محاربة الفساد، ولكن ليس بهذه الطريقة، ولا بهذه المسطرة، ولا بهذا النص القانوني. النيابة العامة قد تملك صلاحية تقييم جدية الشكايات، لكن المؤسف أن ما يتم حفظه قليل، والناس يُرهقون في ردهات المحاكم سنوات، ليُبرّؤوا في النهاية. هذا ليس المسار الذي نطمح إليه. للأسف، هناك وزراء ومنتخبون يمثلون عنواناً للفساد بدل محاربته، وهذا ما يدفعنا إلى التمسك بتعديلاتنا.”
في هذا السياق وجهت النائبة البرلمانية عن فدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، انتقادات شديدة اللهجة للحكومة ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، بسبب المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، معتبرة أنها تصب في خانة “حماية الفساد” لا مكافحته.
وقالت التامني، خلال جلسة اليوم الثلاثاء 20 ماي الجاري بمجلس النواب، إن “الفساد موجود ولا يمكن القول إنه غير موجود”، مضيفة “يكفي الاطلاع على التقارير الدولية التي تصنف المغرب في مراتب متأخرة في مكافحة الفساد، ولم نأت بذلك من عندنا”.
وأشارت برلمانية “الرسالة” إلى أن “التقارير تتحدث عن الأموال الطائلة التي يكلفها الفساد، وعدد المتابعات المتعلقة بنهب المال العام، والتي صدرت بحقها أحكام”.
وفي معرض ردها على تبريرات الوزير وهبي، تساءلت التامني: “هل أنتم تحاكمون القضاء إذا؟”، مبرزة أن “الفساد موجود في الواقع، والقضاء أدان أشخاصا بذلك، ولم نأت بهذا من عندنا، وما خفي أعظم”.
وأردفت برلمانية الفيدرالية قائلة: “لا يجب أن تكونوا، السيد الوزير، خائفين من الحديث عن الفساد، بل يجب أن تكونوا حريصين على محاربته، لأن هذا هو دورنا ودوركم”.
وتابعت التامني: “دورنا كمنتخبين ليس هو البحث عن وسائل لحماية الفاسدين، دورنا هو العمل ضده”، مؤكدة أن “همنا هو حماية الوطن”.
واتهمت التامني وزير العدل بـ”القفز على الدستور وعلى الاتفاقيات الدولية”، مشددة على أن “القوانين المحلية يجب أن تتلاءم معهما”، ومضيفة: “أنتم تؤكدون، السيد الوزير، أنه عند سحبكم لقانون الإثراء غير المشروع في بداية الولاية الحكومية، كان ذلك خدمة لأهداف حماية الفساد، وهو ما أكده دفاعكم عن المادتين 3 و7 من مشروع المسطرة الجنائية”.
يُذكر أن المادتين المذكورتين أثارتا جدلا واسعا، خاصة بعد اتهامات من قوى سياسية ومدنية بأنها تحد من أدوار الجمعيات في تتبع قضايا الفساد المالي والإداري.
وكشفت البرلمانية نبيلة منيب، الثلاثاء، أن فضائح الأستاذ الجامعي المتهم ببيع الشواهد العليا بجامعة أكادير ليست وليدة اليوم بل منذ 2003 وجمعيات حماية المال هي التي فجرت القضية.
وأكدت منيب وهي تخاطب وزير العدل عبد اللطيف وهبي خلال جلسة المناقشة والتصويت على قانون المسطرة الجنائية، أن العديد من الجمعيات منذ 2003 قدمت شكايات تفضح هذا الأستاذ ولم يحرك أحد ساكنا”
منيب قالت أن المغرب في حاجة الى أطر أياديهم نظيفة للمساهمة في بناء الوطن ومحاربة الفساد يقتضي تشجيع الجمعيات الجادة لمحاربة الفساد وحماية المبلغين عن جرائم الفساد وليس التضييق عليهم”.
وفي إطار الجدل الدائر حول المادة الثالثة من مشروع قانون المسطرة الجنائية، قدمت النائبة البرلمانية ريم شباط،، مقترحًا يقضي بحذف الفقرة السابعة من المادة المذكورة. واعتبرت شباط أن هذه الفقرة تتعارض مع التوجيهات الملكية السامية التي أكدت في عدة خطب على أن محاربة الفساد مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع المدني والمواطنين.
وأوضحت النائبة أن هذه المادة تمثل تراجعًا خطيرًا عن المكتسبات الدستورية والقانونية في مجال المشاركة المدنية ومكافحة الفساد، إذ إنها تقيد صلاحية تحريك الدعوى العمومية في جرائم المال العام بشكل يتعارض مع الأدوار الرقابية التي منحها الدستور للمجتمع المدني. كما تفرض قيودًا غير مبررة على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأموال، رغم وجود محاكم متخصصة ووكلاء عامين مختصين.
وأكدت ريم شباط أن هذه المادة تجعل مباشرة الإجراءات رهينة بإحالة من رئيس النيابة العامة بناءً على تقارير محددة، مما يعرقل قيامهم بدورهم الأساسي في تطبيق القانون وحماية المال العام. وشددت على ضرورة احترام المبادئ الدستورية التي تضمن حق الجميع في الولوج إلى القضاء، وتفعيل الدور الدستوري للمجتمع المدني في تخليق الحياة العامة.
يذكر أن وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عرض اليوم الثلاثاء 20 ماي الجاري، أمام مجلس النواب، مشروع القانون رقم 03.23 القاضي بتعديل وتتميم قانون المسطرة الجنائية.
ويأتي هذا العرض بعد مصادقة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان على المشروع في 13 ماي الجاري.