موسكو تمسك بزمام مجلس الأمن... والرباط تقترب من طي صفحة الانفصال نهائياً

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتعقّد التوازنات الجيوسياسية، عاد ملف الصحراء المغربية ليتصدر أجندة النقاش داخل مجلس الأمن الدولي، بالتزامن مع استعداد روسيا لتولي رئاسته خلال شهر أكتوبر المقبل. معطى اعتبره مراقبون محطة مفصلية قد تُعيد رسم معالم الحل السياسي في هذا النزاع الممتد منذ عقود، وسط تحركات دبلوماسية أممية تهدف إلى الدفع بمسار التسوية نحو مرحلة أكثر حسماً.

وبحسب أجندة الأمم المتحدة، من المرتقب أن تقود موسكو رئاسة مجلس الأمن خلال دورة أكتوبر، وهي ولاية تتزامن مع تجدد الزخم في مناقشات قضية الصحراء، خاصة بعد الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، وما أثارته من تفاعلات حول مستقبل الحل السياسي وفرص تجاوز خيار الانفصال بشكل نهائي.

المراقبون يرون أن هذه المرحلة جاءت تتويجاً لمسار طويل من الجولات الميدانية والاجتماعات غير الرسمية التي عقدها المبعوث الأممي مع الأطراف المعنية، وأسهمت في تعزيز مكانة مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ويحظى بدعم متنامٍ داخل الدوائر الأممية. وبرزت قوى مؤثرة كفرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا في طليعة الداعمين لهذا المقترح، الذي يعتبر اليوم القاعدة الأقرب للمنطق والتنفيذ، ويضمن احترام سيادة المغرب واستقرار المنطقة.

وتكتسي الرئاسة الروسية المقبلة أهمية استثنائية، بالنظر إلى موقع موسكو كقوة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وعلاقاتها المتشابكة مع مختلف الأطراف، فضلاً عن نهجها الحذر الذي يمتاز بالتوازن وعدم الانحياز العلني لأي طرف. ويرى متابعون أن هذه الخصوصية تجعل من الموقف الروسي عاملاً مؤثراً في صياغة أي تحول محتمل في تعاطي مجلس الأمن مع الملف.

ومن المتوقع أن يشهد شهر أكتوبر صدور قرار جديد من مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء، ترجح مصادر دبلوماسية أن يتسم بلغة أكثر وضوحاً من القرارات السابقة، ويستند إلى خلاصات الإحاطات الأخيرة، بما فيها الدفع بصيغة الحكم الذاتي كأرضية عملية لتسوية النزاع.

المصالح أولاً: روسيا بين التوازن والحسابات الجيوسياسية

يرى مراقبون أن مواقف الدول المؤثرة في الملف، وعلى رأسها روسيا، أصبحت محكومة بمنطق المصالح أكثر من أي وقت مضى. وفي هذا السياق، تُولي موسكو أهمية كبيرة للحفاظ على علاقاتها التقليدية في المنطقة، دون التضحية بمساعيها لتعزيز نفوذها في شمال إفريقيا عبر شراكات اقتصادية وأمنية متنامية.

ويؤكد المتابعون أن روسيا لم تعد تتحرك وفق حسابات أيديولوجية قديمة، بل باتت تعتمد دبلوماسية براغماتية تسعى إلى تأمين مصالحها الاستراتيجية. ويُستشهد في هذا الصدد بالتغيرات التي طرأت على موقف موسكو منذ أوائل الألفية الثالثة، حيث بدأت تتبنى خطاً أكثر توازناً في تعاطيها مع النزاع، من خلال الامتناع عن التصويت في قرارات مجلس الأمن، دون الانحياز الصريح لأي من الأطراف.

وتُعد زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى موسكو وتوقيع اتفاقيات استراتيجية مع الرئيس فلاديمير بوتين من أبرز المحطات التي ساهمت في ترسيخ مناخ من الثقة بين الرباط وموسكو، انعكست لاحقاً في مواقف متوازنة لروسيا داخل مجلس الأمن، واستمرار في وتيرة التعاون الاقتصادي بين البلدين.

الجزائر تراهن... لكن المعطيات لا تخدمها

في الجهة المقابلة، تواصل الجزائر جهودها الدبلوماسية من أجل تعزيز دعمها لأطروحة جبهة البوليساريو، مستفيدة من وجودها كعضو غير دائم داخل مجلس الأمن خلال فترة الرئاسة الروسية. ويعتقد مراقبون أن الجزائر قد تسعى لاستغلال الظرف الدولي لإقناع موسكو بتبني مخرجات مختلفة بشأن الملف، إلا أن هذه الرغبة تصطدم بثوابت الموقف الروسي.

ويشير متابعون إلى أن موسكو، رغم استقبالها وفوداً من جبهة البوليساريو في مناسبات عدة، لم تعترف يوماً بها ككيان دولي، كما أن تعاملها مع القضية ظل منضبطاً لمعادلات التوازن الإقليمي، بعيداً عن المجازفة بعلاقاتها الاستراتيجية مع المغرب، الذي تعتبره فاعلاً محورياً في المنطقة.

ويرى خبراء في الشأن الدولي أن روسيا لا تمانع في استمرار الدينامية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، بل تفضل الحفاظ على مناخ من الحياد المتزن يسمح بإعادة تفعيل آليات الحل، وفي مقدمتها العودة إلى صيغة الموائد المستديرة التي أوصى بها مجلس الأمن في قراراته السابقة.

الواقع الدولي يدفع نحو الحكم الذاتي

أمام هذا المشهد، يبدو أن المسار الدولي يميل بشكل متزايد إلى دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، الذي أضحى يحظى باعترافات واسعة من قوى وازنة في الساحة الدولية. كما يرى مراقبون أن التركيز على الشراكات الاقتصادية، خصوصاً مع قوى مثل روسيا، يمثل ورقة استراتيجية رابحة في تعزيز موقع المغرب داخل منظومة الأمم المتحدة.

ويخلص المتابعون إلى أن أي محاولة لإحياء خيار الانفصال لم تعد تجد سنداً سياسياً أو واقعياً في ظل التحولات الجارية، حيث تتجه الأمم المتحدة، أكثر من أي وقت مضى، نحو بلورة حل واقعي وعملي قائم على مقترح الحكم الذاتي كخيار وحيد لتسوية نزاع عمره خمسة عقود.