الحكومة تُعيد بعث الحوار الاجتماعي: مناورة أم استجابة متأخرة؟

في خطوة مفاجئة، وقبيل أيام من تخليد اليوم العالمي للعمال، بادر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إلى الاتصال مباشرة بالأمناء العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، داعيًا إلى جولة جديدة من الحوار الاجتماعي، ستُعقد الثلاثاء المقبل، لمناقشة الملفات الاجتماعية العالقة، في مقدمتها تحسين الدخل وتوسيع الحماية الاجتماعية واحترام الحريات النقابية.

هذه الدعوة التي جاءت على غير توقع النقابات، أعادت بعث مسار الحوار المتعثر، لكنها في الوقت نفسه طرحت تساؤلات عميقة حول خلفياتها وتوقيتها، خاصة أنها تأتي في لحظة يتصاعد فيها الاحتقان، وتتهيأ فيها النقابات لتخليد فاتح ماي تحت شعارات تصعيدية غير مسبوقة. فقد كانت مركزيات نقابية قد عقدت اجتماعات طارئة لمجالسها الوطنية، وأصدرت بيانات لاذعة تمهد لمسيرات احتجاجية قوية، بعدما ساد الاعتقاد بأن الحكومة أغلقت باب الحوار، أو لم تعد تعيره الاهتمام المطلوب.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد لا تكون بالضرورة تعبيرًا عن إرادة سياسية صافية لإحياء الحوار، بقدر ما تعكس رغبة في امتصاص الضغط الاجتماعي والحد من حدة الشعارات الموجهة ضد الحكومة في مناسبة رمزية بحجم عيد العمال. فالحكومة تجد نفسها اليوم في زاوية ضيقة، تتطلب منها تحقيق توازن دقيق بين مطالب الشغيلة المتراكمة، وضغوط التوازنات المالية، في وقت بدأت فيه أصوات الاحتجاج ترتفع ليس فقط في الوسط النقابي، بل حتى في الشارع العام.

ويرى متتبعون أن مصداقية الحكومة على المحك، وأن أي جولة حوار لن تُكتب لها الجدية والمصداقية ما لم تُرفق بإجراءات عملية وتنازلات واضحة، خصوصًا أن عدة اتفاقات سابقة بقيت حبرًا على ورق، مما عمّق فجوة الثقة مع النقابات. كما أن النقابات نفسها تواجه بدورها اختبارًا داخليًا، فهي مطالبة بإقناع قواعدها بأن الحوار ليس مجرد واجهة شكلية، بل مسار فعلي لتحقيق مكاسب، في ظل تشكيك متزايد في نجاعة العمل التفاوضي.

وتُعد جولة الحوار الاجتماعي المرتقبة بمثابة سباق مع الزمن، وفرصة أخيرة لترميم العلاقة بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين. لكن في حال فشل الجولة في تلبية الحد الأدنى من الانتظارات، فإن فاتح ماي قد يتحول من مناسبة نضالية تقليدية إلى منصة احتجاجية كاشفة لحجم التوتر الاجتماعي، وقد يُعيد النقابات إلى خيار الشارع بأسلوب أكثر تصعيدًا ووضوحًا.

الأسئلة المطروحة اليوم لا تتعلق فقط بما ستقدمه الحكومة من وعود، بل بما إذا كانت مستعدة أخيرًا لإقرار تحولات حقيقية في تعاطيها مع الملف الاجتماعي، أم أن الأمر لا يعدو كونه مجهودًا ظرفيًا لتبريد الأجواء، إلى حين.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.