المستشار البرلماني محمد حنين يكتب.. تغيب الوزراء أم غياب الجدية في الترويج لهذا التغيب ؟
إذا كانت فرق المعارضة تنتقد غياب الوزراء عن جلسات البرلمان، فإن هذا الانتقاد أصبح مألوفا لإثارته من وقت لآخر خلال مختلف الولايات التشريعية ، و لئن كانت المعارضة تود من خلال إثارة هذه المسألة النيل من مصداقية الحكومة، فإن هذا الانتقاد ينطوي على كثير من المغالطات للاعتبارات التالية :
أولها أن الوزراء ليسوا موظفين لدى البرلمان و إنما هم أعضاء في الحكومة باعتبارها سلطة تنفيذية تخضع في علاقتها بالبرلمان من جهة ، للدستور بما يكفله من فصل للسلط و توازنها ، و من جهة أخرى ، للقانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة و الذي بمقتضاه تمارس الحكومة تحت سلطة رئيسها السلطة التنفيذية وفق مبادئ المسؤولية و التفويض و التنسيق والتتبع و المواكبة و التقييم و التضامن الحكومي والتكامل في المبادرة .
و ثانيها أنه بمقتضى الدستور لا تلزم الحكومة بالحضور الجماعي لأعضائها بالبرلمان ، مما يجعل أن حضور الوزراء في الجلسات الأسبوعية المخصصة لمساءلة الحكومة من خلال الأسئلة الشفهية يرتبط بمدى توفر أسئلة موجهة لكل وزير ومبرمجة في الجلسة العامة ، كون كل جلسة يحضرها مبدنيا الوزراء المدعوين للجواب على الأسئلة الموجهة اليهم ، وتسجل الممارسة أنه في حالات محدودة عندما يتعذر على أي وزير الحضور للجواب في أي جلسة من الجلسات فإنه ينيب عنه زميل له في إطار التضامن الحكومي ، فيجيب على الأسئلة المطروحة ويتفاعل مع تعقيبات البرلمانيين، وهو ما يثبت عدم صواب الادعاء بتغيب الوزراء سيما أن العبرة بالحوار بين الحكومة والبرلمان و ليس بالحضور الجسدي لهذا و
الوزير أو ذاك.
ثالثها أن الولاية التشريعية الحالية تتميز بحضور السيد رئيس الحكومة الى غرفتي البرلمان في إطار المساءلة الشهرية وبرفقته أغلب أعضاء الحكومة مما يثبت حرص الحكومة الحالية رئيسا و أعضاء على احترام المؤسسة التشريعية وجعل لحظات جلسات المساءلة الشهرية حول السياسة العامة لحظات للنقاش
البناء بين المؤسستين و استماع اعضاء الحكومة الحاضرين لملاحظات و اقتراحات البرلمانيين حول
القضايا موضوع الحوار الحكومي / البرلماني.
و يتبين من هذه الحقائق أن حضور الحكومة بالبرلمان دائم و مستمر و لا يمكن التشويش على هذا الحضور بتغيب أحد أعضائها و الذي يكون غالبا بعذر مبرر ، لكون تقييم علاقة البرلمان بالحكومة يقوم في كل الأنظمة الديمقراطية على اعتبار أن الحكومة مؤسسة متكاملة ومتضامنة فيما بينها و ليس تقييم هذه العلاقة
من خلال كل وزير بمفرده.
صحيح أنه من حق المعارضة أن تمارس رقابتها للعمل الحكومي من خلال الأسئلة الشفهية و الكتابية و من حقها أن تتلقى أجوبة عنها ، لكن لا حق لها في أن تختار من يجيبها من بين أعضاء الحكومة مادامت هذه الأخيرة تتحمل مسؤوليتها الجماعية أمام البرلمان ككتلة واحدة بكيفية تضامنية .
و هكذا ، فعوض التصدي للقضايا التي تستأثر باهتمام المواطنات والمواطنين يبحث البعض عن البوز من خلال إثارة مسائل هامشية أو غير حقيقية كما هو الشأن للترويج لغياب الوزراء و السكوت على غياب البرلمانيين الذي أضحى يشكل تحديا حقيقيا أمام ممارسة العمل البرلماني ، و هو ما يستوجب التصدي بكل جرأة لمواجهة هذه الظاهرة السلبية والمسيئة الصورة البرلمان. إنها مسؤولية سياسية يتحملها كل برلماني و كل مكون برلماني لضمان انضباط أعضائه، فما الجدوى من حضور أعضاء الحكومة للجواب
على أسئلة البرلمانيين أو مناقشة مشاريع قوانين في قاعات كثيرا ما تعرف حضورا برلمانيا ضعيفا أو تطغى عليها شخصنة النقاش و ارتفاع حدة الملاسنات المقضية غالبا إلى تبادل الاتهامات و عرقلة الجلسات . لذلك ، فإن الاستجابة للدعوة المتكررة لجلالة الملك إلى ضرورة العمل بمدونة للأخلاقيات البرلمانية ذات طابع ملزم أصبحت تكتسي طابعا استعجاليا لإعادة الاعتبار للعمل البرلماني و تعزيز مصداقية المؤسسة التشريعية بما يكفل الرفع من منسوب الثقة في البرلمان ويؤدي الى الارتقاء بالعلاقة بين الحكومة و البرلمان بما يتيحه ذلك من تمكين كل مؤسسة من ممارسة وظائفها الدستورية بكيفية مجدية .
الدكتور محمد حنين
مستشار برلماني