أعادت فاجعة انهيار المباني بمدينة فاس ملف البناء العشوائي إلى واجهة الاهتمام الرسمي، مسرّعة وتيرة تفعيل مبدأ المحاسبة في حق المتورطين في تفشي هذا النوع من البناء بعدد من الأقاليم، في مقدمتهم رجال سلطة وأعوان جرى تحميلهم مسؤولية التقصير في المراقبة وعدم الإخبار بوجود أوراش وبنايات غير مرخصة.
وفي هذا السياق، شرع عدد من عمال الأقاليم في اتخاذ إجراءات تأديبية شملت سحب أختام محاضر التعمير من رجال سلطة، ومعاقبة أعوان سلطة ثبت تورطهم في عدم الاستخبار أو التغاضي عن مخالفات بناء داخل نفوذهم الترابي.
وكشفت تقارير إدارية توصل بها العمال رصد خروقات في مجال التعمير بمناطق كان يشرف عليها رجال سلطة موقوفون، حيث جرى إسناد صلاحياتهم مؤقتاً إلى رؤساء الدوائر التابعة لهم، كما هو الحال بعمالة المحمدية وإقليم سيدي بنور، وذلك بناءً على مقررات مجالس تأديبية لـ“مقدمين” و“شيوخ” أُنجزت تحت إشراف رؤساء أقسام الشؤون الداخلية وصودق عليها من طرف العمال.
وشملت العقوبات المتخذة التوقيف المؤقت عن العمل، والمنع من استعمال سيارات ودراجات الدولة، إلى جانب التجريد من الأختام المستعملة في توقيع الشهادات الإدارية، فيما يُنتظر أن تتسع دائرة المحاسبة لتشمل أقاليم أخرى فور الانتهاء من إعداد خرائط دقيقة تنجزها الوكالات الحضرية اعتماداً على تقنيات “الدرون”.
وموازاة مع ذلك، استنفرت وزارة الداخلية رجال الإدارة الترابية بعد توصلها بصور ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية، كشفت عن توسع مقلق للبناء العشوائي وتجاوزات في تدبير أراضٍ جماعية بعدد من المناطق، مع توجيه تعليمات صارمة بتكثيف دوريات المراقبة لحماية الملك العمومي من النهب أو التفويت غير القانوني.
وشددت الوزارة على ضرورة استثمار الصور الفضائية في تتبع التطور العمراني وفتح أبحاث إدارية لتحديد المسؤوليات عن تفشي البناء غير المنظم بضواحي المدن الكبرى، في ظل معطيات تشير إلى تورط منتخبين محليين ومسؤولين ترابيين في تسهيل هذه الخروقات أو تفويت عقارات عمومية بأثمنة تفضيلية.
وفي السياق ذاته، نبهت دورية مشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب الوطني والإسكان وسياسة المدينة إلى استمرار الإكراهات المرتبطة بالترخيص بالبناء في العالم القروي، خاصة ما يتعلق بالمساحة الدنيا للبقع الأرضية، ونسبة البناء، وعلو البنايات، إضافة إلى صعوبات تقنية وإدارية أخرى كشفتها الممارسة الميدانية والأسئلة البرلمانية.
ودعت الدورية إلى تفعيل إجراءات تنظيمية جديدة، مع التوصية بإحداث لجان إقليمية تحت إشراف الولاة والعمال، تضم مختلف المتدخلين، لتحديد مدارات الدواوير والمناطق القروية التي تعرف ضغطاً عمرانياً متزايداً، في أفق إدماجها ضمن وثائق تعمير تضمن تنميتها بشكل منظم وآمن.
وتأتي هذه الإجراءات في سياق استحضار فاجعة انهيار عمارتين سكنيتين بحي المسيرة بمدينة فاس، ليلة الثلاثاء–الأربعاء، والتي خلّفت مصرع 22 شخصا، من بينهم أطفال، في حادث أعاد إلى الواجهة كلفة البناء العشوائي والتراخي في المراقبة، وطرح بإلحاح سؤال المسؤولية وربطها بالمحاسبة حفاظاً على أرواح المواطنين