الزلزال والقانون أي علاقة؟

ذ/ محمد أمغار

عرف المغرب هزة أرضية عنيفة نتيجة الزلزال الذي ضرب مختلف مناطق المغرب وبصفة خاصة منطقة الحوز والمناطق المجاورة والذي أدى إلى أضرار جسيمة في الأرواح وخلف خسائر مادية تتجلى في انهيار وتضرر البيوت والبنيات التحتية وغيرها، وهذا ما يدفعنا الى طرح ومناقشة الآثار القانونية المرتبطة بهذه القوة القاهرة.

وفي هذا الإطار يمكن القول إن الدستور المغربي وفي إشارة إلى المبادئ المرتبطة بالقوة القاهرة، ذهب في الفصل 40 إلى التنصيص على أن جميع المغاربة ملزمون أن يتحملوا بصفة تضامنية وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.

لذلك فان المغاربة وفي إطار هذا  التضامن أبانوا عن قدرتهم الفطرية على تنزيل المبادئ الدستورية المرتبطة بالتضامن في المحن الناتجة عن الكوارث الطبيعية التي عرفتها البلاد في العديد من المحطات أخيرها زلزال 8 شتنبر2023.

والملاحظ أنه و لتفادي  العواقب المرتبطة بالزلزال نجد أن قانون التعمير المغربي نص على  مجموعة من القواعد  القانونية، منها تلك المنصوص عليها في مرسوم خاص  بالموافقة على ضابط البناء المضاد للزلازل المسمى RPS2000 المطبق على المباني المحددة فيه قواعد الوقاية من الزلازل، وبإحداث اللجنة الوطنية لهندسة الوقاية من الزلازل، وفي هذا الإطار تم تقسيم التراب الوطني إلى مناطق زلزالية بحسب درجة توقع الزلازل فيها وتم ترتيب البنايات إلى أصناف باعتبار درجة الوقاية  الواجب توفرها فيها ويتم توزيع الجماعات داخل المناطق الزلزالية، بقرار مشترك للسلطات الحكومية المكلفة بالإسكان والتعمير والتجهيز والداخلية، بعد استطلا ع رأي اللجنة الوطنية  لهندسة الوقاية من الزلازل التي يعهد اليها باقتراح وترتيب البنايات وخرائط توزيع الجماعات داخل المناطق الزلزالية، ودراسة التغييرات واقتراح التحسينات المراد ادخالها على ضابط البناء المضاد للزلازل.

والأكيد ان الزلازل ككارثة طبيعية خصها القانون بالعديد من القواعد التشريعية التي لها علاقة بالعقود والالتزامات وتأثير هذه القوة القاهرة  على الالتزامات القانونية.

وفي هذا الإطار ذهب الفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود في خضم الحديث عن القوة القاهرة والحادث الفجائي إلى أنه لا محل لاي تعويض، إذا اتبت المدين ان عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه كالقوة القاهرة، أو الحادث الفجائي.

وقد رف الفصل 269 القوة القاهرة على أنها كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية" الفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق والجراد"، وغارات العدو وفعل السلطة يكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه ما لم يقم المدين الدليل على أنه بدل كل العناية لدرئه عن نفسه.

والثابت قانونا ومن خلال العمل القضائي أن الزلزال والآثار المرتبطة به يعتبر كارثة طبيعية وقوة قاهرة لها تأثير على  الالتزامات القانونية كيفما كانت طبيعتها كما هو واضح  من قانون الالتزامات والعقود.

و يعد المغرب من بين الدول الأكثر تعرضا للمخاطر التي لها علاقة بالظواهر المناخية والجيولوجية حسب تقرير نشره البنك الدولي في 10 غشت 2022 وفي هذا الإطار يقدر البنك الدولي  الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات  والجفاف وحرائق الغابات والزلازل، في مبلغ يتجاوز 575 مليون دولار كل عام،  وللتغلب على ذلك  وضع مشروع الإدارة المتكاملة لمخاطر الكوارث ومجابهتها لمساعدة المغرب على تعزيز قدرته على الصمود في مواجهة الكوارث وهذا المشروع عزز قدرة المغرب  على التكيف مع الكوارث  الطبيعية من خلال إعادة تصميم الصندوق المغربي لمكافحة آثار الكوارث  الطبيعية من أداة للاستجابة في حالة الطوارئ إلى صندوق وطني لتعزيز القدرة على الصمود وحتى مارس 2022 ساند الصندوق 180 مشروعا للحد من مخاطر الكوارث.

وفي فبراير 2021 تم إعداد الاستراتيجية الوطنية لتدبير مخاطر الكوارث الطبيعية الأولى في المغرب لسنوات 2021-2031 تحت إشراف مديرية  جديدة لإدارة مخاطر الكوارث في وزارة الداخلية وتمت ترجمة هذه الاستراتيجية إلى برامج وأولويات العمل 2021-2023 وبرنامج العمل التنفيذي2021-2026 يغطي 18 برنامجا و57 مشروعا.

واعتماد نظام مبتكر للتأمين ضد المخاطر في 2018 القانون رقم 110-14 والتي استحدث الية تامين خاصة .

وتم إنشاء صندوق عام هو صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية والذي يعد نظام التغطية الأولية تهدف إلى تعويض الضحايا عن الاضرار  البدنية، أو الأضرار المادية الناتجة عن الكوارث الطبيعية أو الأضرار  الناجمة عن الفعل العنيف للإنسان.

وقد أشار القانون رقم 14-110 إلى أن التغطية تشمل إلى جانب تغطية أخرى نظام الإعانات  لفائدة الأشخاص الذين لا يتوفرون على أي تغطية،  وتعتبر كارثة من منظور هذا القانون ويجب تغطية الأضرار المباشرة الناجمة عنها الزلازل وغيرها من الكوارث التي تتوفر فيها عنصر المفاجئة أأأو أو عدم إمكانية التوقع.

والنظام التضامني المشار إليه يهدف إلى توفير الحد الأدنى من التعويض لصالح ضحايا واقعة كارثية الذين لا يتوفرون على تغطية ضد الضرر الذي لحق بهم، وتتعلق التعويضات الممنوحة بموجب هذا النظام حصريا بالأضرار البدنية أو فقدان مكان الإقامة الرئيسي بعد واقعة كارثية من خلال صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية.

وللاستفادة من التعويض من هذا الصندوق  يتم تقييد ضحايا واقعة كارثية في سجل تعداد  ضحايا الوقائع الكارثية داخل أجل لا يتجاوز تسعين يوما يحتسب ابتداء من تاريخ نشر القرار الاداري الذي أعلن عن الواقعة الكارثية.

ومن أجل الاستفادة يجب على الضحية المقيدة في سجل التعداد أو ذوي حقوقها أن يقدموا طلبا إلى الصندوق المذكور مرفق بالوثائق المشار اليها في القانون وهي،

-  وثيقة تثبت هوية الضحية أو ذوي حقوقها.

- وثيقة تثبت هوية الطالب عندما يقدم الطلب من طرف شخص آخر غير الضحية أو ذوي حقوقها.

- وصل التقييد أو التسجيل في سجل تعداد ضحايا الوقائع الكارثية المشار إليه في القانون.

- تصريح بالشرف يصرح بموجبه الضحية أو ذوي حقوقها أن الضرر موضوع طلب التعويض غير متوفر على تغطية أخرى حسب مدلول المادة 28 من القانون رقم 14-110 وفي حالة وفاة الضحية أو فقدان شخص يجب أن يشمل طلب التعويض،

-  مستخرج من رسم ولادة ذوي حقوق الضحية أو الشخص المفقود.

- وثيقة تثبت عند الاقتضاء إصابة الفرع بعاهة بدنية أو عقلية لا يستطيع معها القيام بسد حاجاته.

وفي حالة فقدان المسكن الرئيسي يجب أن يشمل ملف التعويض أيضا ما يلي:

- نسخة من رسم ملكية المحل موضوع طلب التعويض أو أي وثيقة أخرى تثبت ملكية المحل المذكور.

- وثيقة مسلمة من طرف السلطات المختصة تثبت أن المحل المذكور كان مخصصا من قبل المالك أو زوجه أو أزواجه أو الأطفال الذين هم تحت كفالته أو هما معا لمسكنهم الرئيسي حسب مدلول المادة 2 من القانون رقم 14-110 السالف الذكر.

وفي حالة فقدان الانتفاع بالمسكن الرئيسي يجب أن يرفق بالطلب:

- نسخة من عقد الايجار أو أي وثيقة تثبت الصفة كمكتري أو تصريح للمالك يفيد أن العائلة كانت تقيم في المحل بدون مقابل.

- وثيقة مسلمة من طرف السلطة المختصة تثبت أن المحل موضوع الطلب كان مخصصا من قبل المكتري أو زوجه أو أزواجه أو الاطفال الذين تحت كفالته أو هما معا أو العائلة المقيمة في المحل بدون مقابل لمسكنهم الرئيسي حسب المادة 2 من القانون رقم 14-110.

وهكذا يتضح أنه وللاستفادة من تعويض الصندوق بخصوص زلزال 8 شتنبر 2023، فإنه يتعين نشر القرار الإداري الذي يعلن عن وقوع الكارثة لكي يتمكن الضحايا من تسجيل أنفسهم داخل أجل لا يتجاوز 90 يوم تحتسب ابتداء من تاريخ نشر القرار الإداري.

مع العلم أنه تم نشر القرار رقم 900-19 الصادر عن وزير الداخلية  بتاريخ 30 أبريل 2019، والذي يحدد نموذج سجل إحصاء ضحايا الوقائع الكارثية وشكليات تسجيل الضحايا في هذا السجل.

والملاحظ أن القانون نص على إحداث لجنة لتسوية المنازعات بين صندوق التضامن وضحية واقعة كارثية، كالزلزال موضوع النقاش بحيث التزم القانون الرجوع إلى اللجنة أولا قبل اللجوء إلى القضاء الإداري، بحيث يجب تقديم الطعن من المتضرر من قرار صندوق التضامن أمام اللجنة تحت طائلة عدم القبول داخل أجل سنة ابتداء من تاريخ تبليغ القرار المتنازع فيه، المتخذ من قبل الصندوق مع العلم أنه في حالة الإدلاء بعذر مشروع يمكن للجنة أن تتجاوز هذا الأجل المسقط، ويقدم الطلب مكتوب من الضحية أو محاميه مرفق بجميع الوثائق المراد استعمالها للدفاع عن حقوق الضحية واللجنة ملزمة بالبت في الطلب داخل أجل 6 اشهر ابتداء من تاريخ وضع الطلب بمحضر كتابي.

ويمكن للجنة طلب تمديد الأجل 6 أشهر أخرى من طرف رئيس المحكمة الإدارية المختصة.

وإذا لم تتخذ اللجنة قرارها داخل الأجل أعلاه يمكن للضحية، أو ذوي حقوقه من الاستعانة بمحام اللجوء إلى المحكمة الإدارية داخل أجل 60 يوما تبتدأ من تاريخ انتهاء أجل البت من طرف لجنة تسوية المنازعات بين صندوق التضامن وضحايا الوقائع الكارثية.

ومن هنا يتضح أن القانون خص ظاهرة الزلزال بمجموعة من القواعد التشريعية،  بهدف توقع الزلازل وبالحد من الأضرار، وتأخذ بعين الاعتبار عدم قدرة المتضرر من الزلزال للقيام بالتزاماته القانونية، وكذلك التضامن من أجل التقليل من الأضرار والمخاطر المرتبطة بالزلزال، ونتمنى من الله أن يقي الانسانية من مخاطر الزلازل والكوارث الطبيعية.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.