تجرى يوم الأحد 23 يوليوز انتخابات عامة في إسبانيا. وستكون هذه الانتخابات العامة السادسة عشرة منذ إقرار دستور 1978 ، وهي الأولى التي تقام في شهر يوليوز.
وكان من المقرر إجراء الاستحقاقات مبدئيا في دجنبر 2023، بعد الانتخابات الإقليمية والبلدية في ماي الماضي، غير أن، رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، أعلن في 29 ماي، حل مجلسي البرلمان وتقديم موعد الانتخابات إلى يوم الأحد 23 يوليوز.
وصدرت الدعوة إلى الانتخابات (مرسوم ملكي 400/2023) في الجريدة الرسمية للدولة في 30 ماي، عقب اجتماع مجلس الوزراء الاستثنائي.
وبالنسبة لمجلس النواب، يتم انتخاب 350 مقعد ا باستخدام نظام هوندت والتمثيل النسبي للقائمة المغلقة بعتبة 3٪ من الأصوات الصحيحة، بما في ذلك الأصوات البيضاء، المطبقة في كل دائرة انتخابية. والأحزاب التي لا تصل إلى هذه العتبة لا تؤخذ في الاعتبار عند توزيع المقاعد.
ويحق لكل دائرة انتخابية الحصول على مقعدين كحد أدنى مبدئيا، مع توزيع المقاعد الـ 248 المتبقية على المجموعات بما يتناسب مع عدد سكانها.
تم تحديد عدد النواب المخصصين لكل دائرة في نص الجريدة الرسمية للدعوة الانتخابية. ومقارنة بالانتخابات السابقة التي أجريت في عام 2019، حصلت فالنسيا على نائب إضافي على حساب باداخوز.
ويعطي النظام الأفضلية للمقاطعات الأقل كثافة سكانية (إسبانيا الفارغة)، ولكن هذا ليس بسبب طريقة هوندت، بل بسبب توزيع المقاعد. ويتم تخصيص 102 مقعدا بالتساوي لجميع الأقاليم، في حين يتم تخصيص المقاعد الـ 248 المتبقية تناسبيا حسب عدد السكان. مثال: مقاطعة ألافا (327000 نسمة) تنتخب 4 نواب (2 + 2)، ونافارا (650 ألف نسمة) تنتخب 5 (2 + 3).
عمليا، فإن ضعف عدد السكان يجلب مقعدا إضافيا واحدا فقط. فالمقاطعات الأكثر كثافة سكانية هي الخاسرة في هذا النظام. وإن تم توزيع 350 مقعدا بالكامل حسب السكان، فستختلف النتائج إلى حد كبير.
بالنسبة لمجلس الشيوخ، يتم انتخاب 208 مقاعد من خلال نظام القائمة المفتوحة الجزئي، حيث يصوت الناخبون لمرشحين فرديين بدلا من الأحزاب. في الدوائر التي تنتخب أربعة مقاعد، يمكن للناخبين التصويت لما يصل إلى ثلاثة مرشحين، وفي تلك التي تنتخب مقعدين أو ثلاثة مقاعد، بحد أقصى اثنين من المرشحين، ولمرشح واحد في الدوائر الفردية.
رهانات هذه الانتخابات
في هذا السياق يرى الخبير والمحلل السياسي، خافيير فرنانديز أريباس، انه يمكن تلخيص رهانات هذه الانتخابات في اختيار الشعب الإسباني بين برنامجين انتخابيين لهما مبادئ وقيم تدافع بوضوح عن وحدة إسبانيا، وسيادة القانون، والتدابير الاقتصادية والاجتماعية للجميع، واحترام المؤسسات والممارسات الديمقراطية.
لذلك ، فإن الإسبان مدعوون للاختيار بين نموذجين للحكم على مدى السنوات الأربع المقبلة. ومع ذلك، ستكون هناك حاجة لتحالفات لتشكيل الحكومة الإسبانية القادمة.
من وجهة نظر لوجستية، يتمثل التحدي في التأكد من أن جميع الإسبان الذين يرغبون في التصويت يمكنهم القيام بذلك. يبقى أن نرى مستوى تعبئة المواطنين لأنها المرة الأولى في تاريخ إسبانيا التي يتم فيها تنظيم انتخابات عامة في منتصف الصيف.
انتظارات الإسبان من هذه الانتخابات
ويؤكد خافيير فرنانديز أريباس انه مثل جميع مواطني العالم ، يتوقع الإسبان حلولا أو على الأقل مقترحات ملموسة لمشاكلهم اليومية: التضخم آخذ في الانخفاض ولكن القوة الشرائية لا تزال تعاني، يجب زيادة المعاشات للسماح للمتقاعدين بالعيش بكرامة. يجب أن يكون الشباب قادرين على الاستفادة من التعليم والعمل اللائقين. باختصار، يتوقع المواطنون أن تعمل الحكومة الجديدة على تحسين ظروفهم المعيشية.
أهم شيء هو ضمان الاستقرار المؤسسي الذي من شأنه تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والانمائية المنشودة، لا سيما في وضع تميزه الرئاسة الإسبانية للاتحاد الأوروبي.
السياق السياسي حاسم
من جهته، أفاد المتخصص في العلاقات الدولية مولاي هشام معتضد أن مواقف كل حزب من الأحزاب الإسبانية (الحزب الشعبي والعمال الاشتراكي وفوكس اليميني) من طبيعة العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ليست مرتبطة فقط بشكل وثيق بأيديولوجية الحزب، لكن عادة ما يكون السياق السياسي عاملاً مهماً في مواقف هذه الأحزاب لبناء مواقفها الدبلوماسية تجاه المغرب.
ويشرح معتضد "عادة يمكن تصنيف كل من الحزب الشعبي الإسباني وحزب العمال الاشتراكي أكثر الفاعلين السياسيين الإسبان واقعية في بناء رؤية براغماتية في ما يخص العلاقات الثنائية بين مدريد والرباط، إلا أن حزب فوكس اليميني يبقى الأكثر انزواء في تشكيل رؤية معتدلة وذات تقييم منطقي تجاه الجارة الجنوبية لمملكة إسبانيا".
ولفت إلى أن علاقة الأحزاب السياسية الإسبانية بالمناخ السياسي المغربي والقيادة المغربية غالباً ما يضبطها إيقاع المصالح الاستراتيجية وتوازنات القوى في المنطقة، بخاصة أن الأحزاب السياسية الإسبانية لا تريد مغرباً صاعداً سياسياً وقادراً على تشكيل رقم سياسي يخل بالديناميكية الأمنية والاقتصادية لمصلحته على حساب المصالح الحيوية الإسبانية".
وأضاف "إذا كان حزب العمال الاشتراكي نجح في فك شيفرة الدبلوماسية المغربية بعد فترة عصيبة سياسياً، فإن نجاحه أصبح مادة دسمة للانتقادات السياسية فوق مائدة جل الأحزاب السياسية الإسبانية، وذلك لما تشكله العلاقات بين البلدين من حساسية دبلوماسية في تدبير الشأن السياسي الخارجي لإسبانيا".
وذهب معتضد إلى أن "زاوية تشخيص الأحزاب السياسية الإسبانية للعلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد بدأت تعرف تغيراً فكرياً على مستوى ميكانيزماتها التاريخية المتجذرة في الفكر الاستعماري والتبعية الثقافية، حيث إن واقعية التطورات الجيوسياسية على الصعيد الدولي وبراغماتية المتغيرات الجيواستراتيجية على المستوى الإقليمي، دفعتا قادة الأحزاب الإسبانية إلى كثير من المرونة خلال الأعوام الأخيرة في تقييم وبناء تصور حول العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ومدريد".
شراكة استراتيجية
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مراكش محمد بن طلحة الدكالي قال إن حضور المغرب في البرامج والمخططات الإسبانية ليس حدثاً عابراً، بل هو ناجم أساساً عن طبيعة العلاقة والشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين البلدين.
وأضاف أنه يمكن استحضار كون إسبانيا تعد الشريك التجاري الأول للمغرب على مستوى الصادرات والواردات وأن المملكة تعد أكبر شريك تجاري لإسبانيا في القارة الأفريقية وثالث أكبر شريك على مستوى العالم خارج الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن قيمة المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا بلغت 17 مليار يورو عام 2021، وشهدت هذه المبادلات ارتفاعاً في 2022 إلى أكثر من 21 في المئة، لافتاً إلى أن المغرب يحتضن شركات إسبانية عدة في مختلف القطاعات، بينما بلغ عدد الشركات الإسبانية التي تصدر إلى المغرب 20 ألف شركة، وفق أرقام اتحاد المقاولات الإسبانية.
وأبرز الدكالي أنه إلى جانب العلاقات الاقتصادية المتشابكة بين الرباط ومدريد، يلعب المغرب دوراً محورياً في محاربة الهجرة غير النظامية ومافيا تهريب المخدرات وشبكات الاتجار بالبشر، علاوة على جهود التعاون الأمني والاستخباري مع إسبانيا لمواجهة أخطار التطرف والإرهاب.
واسترسل الدكالي "لهذه الأسباب كان طبيعياً أن يشكل المغرب محوراً مهماً في البرامج الانتخابية للأحزاب الإسبانية، اقتناعاً من صانع القرار الإسباني بأن العلاقات مع المملكة ضرورية بالنسبة إلى أمن إسبانيا واستقرارها، كما أنه محكوم على البلدين الجارين التعاون وتبادل الثقة بأمل تحسين الشراكة الاستراتيجية".
وذكر أن الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها تضع المغرب في صلب اهتمامها أثناء الحملة الانتخابية، وهذا ما أكده ألبرتو فيخو زعيم الحزب الشعبي، المرشح الأقرب إلى الفوز بالانتخابات، عندما قال إن "العلاقات مع المغرب ستكون من أولوياتنا المستقبلية، إذ سنعمل على استمرار العلاقات المحترمة والمفتوحة مع الرباط".
وخلص الدكالي إلى أن فيخو يهيئ بهذه التصريحات الناخب الإسباني لقرار دعم القرار السيادي الإسباني بخصوص تأييد مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، كما أن هذا القيادي الإسباني صرح سابقاً بأن المغرب سيكون أول وجهة خارجية يزورها إذا ما تم انتخابه رئيساً للحكومة الإسبانية.
أغلب الناخبين الإسبان يميلون إلى اليمين
وقال الخبير في العلوم الإنسانية عبد الله بوصوف إن “التحاليل عبّرت عن اندهاش كبير لصورة رئيس الحكومة سانشيز خارج إسبانيا، البراقة، والقوية والإيجابية…، وبين صورته بالداخل الإسباني التي تكَلّف بتشكيلها الإعلام اليميني الإسباني بأنه شخص متعطش للسلطة وأناني، وأنه مستعد للتحالف مع الشيطان للبقاء في السلطة”.
وأشار بوصوف، في مقال له بعنوان “انتخابات إسبانيا 2023 قبل الصمت الانتخابي”، إلى أن “أغلب الناخبين الإسبان يميلون إلى اليمين، بدليل أن الحزب الشعبي اليميني يتربع على المرتبة الأولى منذ شهور”، مضيفا أن “حزب سانشيز يسترجع بعض النقط، لكن يظل الحزب اليميني في المقدمة، ويُعول على حزب فوكس اليميني المتطرف في الحصول على أغلبية مطلقة”.
الانتخابات في اسبانيا قد تعاد مرتين بسبب المغرب
في حين يرى مراقبون، أن الانتخابات في اسبانيا المزمع تنظيمها الأحد المقبل قد تعاد لمرة أخرى بسبب المغرب، ذلك أن أي تغيير في موقف مدريد من قضية الصحراء المغربية سيعيد حالة الجمود و”البلوكاج” الى العلاقات الثنائية بين المغرب واسبانيا، وسيتسبب في وقف عمل أي حكومة في اسبانيا لا تساير طموحات البلدين في السير قدما نحو المستقبل.
ويؤكد خبراء العلاقات الدولية، أنه من “أهم التغيرات الجيوسياسية هو أن الانتخابات في العديد من الدول الأوروبية وغيرها أصبحت ترتكز على المواقف السياسية مع دول الجوار أو دول تربط بينهما مصالح مشتركة أو مصالح متناقضة، وينطبق على موضوع الانتخابات الاسبانية المتوقعة يوم الأحد 23 يوليوز 2023، بحيث يتضح أن تحديد المواقف السياسية مع المغرب تعتبر المحور في الخطابات الانتخابات الاسبانية، حيث تعمل الأحزاب السياسية الاسبانية المتطرفة على نشر خطاب الكراهية وعدم احترام دول الجوار، بل ذهبت في تحد سافر لمفهوم الديمقراطية وتحد سافر للأخلاق والأعراف والتقاليد أن تمس برموز المملكة المغربية وبسيادتها، وهي أخلاق الإرهاب السياسي والابتزاز الاقتصادي.
ولن تجد بعض الأحزاب السياسية الاسبانية المتطرفة سواء كانت يمينية أو يسارية خطابا سياسيا ولا اقتصاديا، تخاطب به الشعب الاسباني فقد تبنت خطاب الكراهية والتشهير والحقد ضد المغرب، موضوع حملة انتخابية مسعورة ضد كل الأعراف والتقاليد الديمقراطية التي سوقتها أوروبا بالترغيب والترهيب لعقود طويلة، فإذا كان بعض الفاعلين السياسيين الاسبانيين فقدوا صوابهم، فالمغرب صامد في مواقفه الثابتة مدافعا عن رموز المملكة المغربية بكل قوة وثقة في الحاضر والمستقبل، فالخاسر الأكبر هو من يريد معاكسة المغرب ومعاكسة ثوابته الوطنية