هل تعيد جلسة اليوم في البرلمان الصراع القديم الجديد حول المرأة بين الاحزاب التقدمية الحداثية والاحزاب المحافظة؟
يحل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اليوم الإثنين 17 يوليوز الجَاري بمجلس النواب، في إطار جلسة المساءلة الشهرية لرَئيس الحكومة، حول مَوضوع “تمكين المرأة ورهانات التنمية”.
وتأتي هذه الجلسة في وقت يعرف فيه هذا الموضوع جدلا حول إصلاح مدونة الأسرة، سيما بين عبد اللطيف وهبي وزير العدل وحزب العدالة والتنمية وهو ما يقدم لمحة أولية عن النقاشات المرتقبة بشأن تعديلات مدونة الأسرة.
وتقول الحكومة إنها “تسهر على اعتماد مقاربة مندمجة لتمكين المرأة وتحقيق المساواة من خلال مختلف السياسات العمومية، من بينها خاصة تلك المخصصة للتشغيل، باعتباره أحد أبرز الالتزامات الحكومية”.
وتضم الحكومة الحالية 6 وزيرات يتحملن مسؤولية حقائب إستراتيجية، وهو ما يعكس وفق أخنوش “الإرادة السياسية الحقيقية لهذه الأغلبية من أجل تمكين المرأة من مشاركة فعالة وحقيقية”.
وخلال اجتماع المجلس الحكومة بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في مارس المنصرم، قال إن حكومته تولي مكانة كبيرة لتعيين النساء في المناصب العليا”. وأوضح بأن تأنيث المناصب العليا ارتفع من نسبة 16% سنة 2018 إلى 19% سنة 2022، ليبلغ بذلك عدد النساء في المناصب العليا 619 امرأة سنة 2023.
وتختلف الأحزاب السياسية المغربية في وجهات نظرها حول هذا الموضوع،بين التقدمة الحداثية وبين الاحزاب المحافظة، فقد تطرقت برامج الاحزاب المغربية في انتخابات شتنبر الى موضوع تمكين المراة كل حسب قناعته وساياساته.
التجمع الوطني للأحرار: تحرير النشاط الاقتصادي للمرأة
قدم حزب "الحمامة" في برنامجه الانتخابي تشخيصا لوضعية المرأة إبان الجائحة، وأبرز كيف كانت النساء في طليعة من واجهوا التداعيات الاقتصادية والاجتماعية إجراءات الحجر الصحي، وكيف أثبتن مرة أخرى أن المجتمع لا يمكن أن يتطور إذا أهمل مساهمة نصف ساكنته. لذلك يتعهد بأن يكون معدل نشاط النساء أحد انشغالاته الكبرى إذا كان طرفا في الحكومة المقبلة.
وأخذا في الحسبان هذا الواقع، الذي يؤثر على عمل النساء ومستوى عيشهن، اقترح التجمع الوطني للأحرار خطة محددة لدعم نشاطهن الاقتصادي ومحاربة الهشاشة، تأخذ بعين الاعتبار تنوع الوضعيات الفردية والأسرية في سائر المراحل العمرية. حيث التزم بدعم النساء في بحثهن عن التكوين والشغل وتطوير المشاريع. واقترح وضع خطة مخصصة لدعم التكوين المهني للنساء، تمنح إعانات قد تصل إلى 5000 درهم عن كل تكوين متبع.
وبالنسبة للنساء اللائي أوقفن مسارهن المهني أو الراغبات في تغييره، تعهد الحزب بتشجيع الآلف النساء من خلال الاستفادة من دعم مالي وبشري لتطوير مشاريع جمعوية أو مهنية، ويتخذ الدعم شكل مواكبة في إطار برنامج "الفرصة". هذا بالإضافة إلى إتاحة مراكز للتشغيل.
حزب الأصالة والمعاصرة: قضايا المراة سيتم العمل عليها داخل المجتمه
أما عن حزب الأصالة والمعاصرة فلم يتحدث عن برنامج خاص بالنساء، تحديدا، حيث يعتبر قضايا المرأة من بين القضايا التي سيتم العمل عليها ضمن المجتمع المغربي ككل.
حزب الاستقلال: التمكين الشامل للمرأة
تعهد حزب "الميزان" الوصول إلى ذلك عبر تعزيز البنيـات المرفقيـة فـي القطاعيـن الخـاص والعـام لتمكيـن المـرأة مـن التوفيـق بيـن الأسرة والعمـل، من خلال توفير حضانـات للأطفال، نقـل مدرسـي، وكذا الاشتغال عـن بعـد وبالتوقيـت الجزئـي والمسـتمر، وإدراج هـذه التدابيـر ضمـن المسـؤولية الاجتماعية لـإدارة والمقاولـة.
وفي ما يتعلق بالتمكين الاقتصادي للمرأة، اقترح حزب الاستقلال إطلاق برنامــج لتشــجيع المقاولات النســائية وتســهيل ولوجهــا إلــى التمويلات البنكيــة، وتفعيل قانون إطار المناصفة ومناهضة التمييز ضد النساء، وإخراج هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز إلى الوجود، وإحــداث آليــات ومؤسســات لليقظــة والمســاعدة لفائــدة النســاء ضحايــا العنــف.
أما عن المرأة القروية يبرز الحزب بأنه سيسعى إلى وضع برنامج خاص للنهوض بالمرأة في العالم القروي، وكذا تقويــة مقاربــة النــوع الاجتماعي فــي السياســات العموميــة، هذا بالإضافة إلى إحـداث مرصـد وطنـي بفـروع جهويـة لرصـد وتتبـع تطبيـق المسـاواة بيـن الجنسين.
الاتحاد الاشتراكي القوات الشعبية: تعزيز منظومة حماية النساء أولا
أفرد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضمن برنامجه الانتخابي (بشعار المغرب أولا تناوب جديد بأفق اجتماعي ديموقراطي)، قسما كاملا خصصه لقضايا المرأة، حيث قدم فيه أرقام وإحصائيات حول وضعية النساء، خصوصا في ما يتعلق بارتفاع نسب العنف الممارس ضدهن، لذلك يرجع ذلك إلى اختلالات قانونية تتجلى فـي مجموع القوانين التي تم سنها فـي العشـر سـنوات الأخيرة، والتي يعتبر بأنها تحمل نفحة المحافظة والتمييز ضد النساء وتكـرس بالتالـي الوضعية الدونية لهن، أو القوانين التي سنت قبل هذه الحقبة ولم تعـد تساير تطور المجتمع، والتي لم تحين، بل وتم تعميق الطابع المحافـظ لهـا.
وفي هذا الإطار تعهد حزب "الوردة" بالتركيز على إصلاح ثلاث نقاط وهي "مدونـة الأسرة"، "قانـون مناهضـة العنـف" ومدونة الشـغل".
بالنسبة لمدونة الأسرة، سجل حزب "الوردة" اختـلالات عدة بخصـوص صنـدوق الدعـم، كصعوبـة الوصـول إليـه نظـرا لتعقـد شـروط الولـوج سـواء علـى المسـتوى الإداري أو المـادي ممـا يتطلـب ضـرورة إصلاحه. بالإضافة إلـى نقائـص النـص القانونـي، حيث يلاحظ الحزب محدوديـة اجتهـادات القضـاة، مرجحا ذلك إلى غلبة الطابـع المحافـظ لـدى الكثيــر منهــم، وتناقــض المحاكــم فيمــا بينهــا، وعــدم مســايرة البعــض منهــم للتطــور العلمــي وعــدم الالتزام بـروح الدسـتور، خاصـة علـى مسـتوى احتـرام حقـوق الإنسان.
أما في ما يخص قانون محاربة العنف ضد النساء "القانون 13-103"، يرى الحزب بأن هذا القانون يحتـوي علـى مجموعـة مـن النواقـص التي لا تتصدى لظاهـرة العنف ضد النسـاء التـي تتزايـد بشـكل كبيـر والتـي تكلـف الدولـة والمجتمـع فاتـورة باهظـة علـى المسـتوى الصحـي والمالـي. خاصـة وأن نسـبة الإفلات مـن العقـاب مرتفعـة إذ لا تعـرض علـى المحاكـم إلا نسـبة ضئيلـة مـن الحالات حسـب إحصائيـات المندوبيـة السـامية للتخطيـط.
ويؤكد حزب الوردة على أنه يمكـن التأكيـد علـى أن تنامـي هـذه الظاهـرة تسـاعد عليـه محدوديـة آليـات الحمايـة والتكفـل بالنسـاء ضحايـا العنـف، وغيـاب الوقايـة منـه فـي القوانيـن المؤطـرة، وفي كل السياسـات العموميـة ذات الصلـة كالتربيـة والتعليـم. كمـا يرجـع هـذا التنامـي إلـى انعـدام الاستقلال الاقتصادي.
وعن مدونة الشغل، ابرز حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأنه رغـم تنصيـص هذه الأخيرة علـى رفض جميـع اشـكال التمييز، هنـاك صعوبات تعتـرض الأجيرة أو طالبة العمل عنـد محاولـة إثباتهـا لتمييـز المشـغل بيـن الأجراء فـي الاستخدام أو الامتيازات أو الأجر، فـي وجـود لكيفيـة الثبات فـي حالـة وجـود تمييـز، هـذا زيـادة علـى وجـود نسـبة مهمـة مـن النسـاء يعملـن بـدون عقـد مكتـوب، وال يتوفـرن علـى تغطيـة صحيـة وفـي قطاعـات غيـر محميـة، ومـن ثمـة ال تشـملهن مدونـة الشـغل، هـذا زيـادة علـى أن الأغلبية الساحقة للنساء القرويات يعملن بدون أجر وفـي ظـروف صعبـة مهـددة لسـامتهن. وعـدد مهـم منهـن يعملـن فـي قطاعـات ذات التأهيـل الضعيـف، أو فـي مهـن تتسـم بالهشاشـة وأغلبهـن ال يسـتطعن الحصــول علــى قــروض، لذلــك فالنســاء أكثــر تعرضــا للهشاشــة والتهميــش ألن أغلبهــن عامــات فالحيــات أو مسـاعدات عائليـات أو يعملـن فـي الاقتصاد غيـر المهيكل.
العدالة والتنمية: تمكين شامل وعادل للمرأة
تقترح حزب المصباح في برنامجه الانتخابي تمكين الأمهات توقيت مسير للعمل بصفة اختيارية لعطلة الأمومة في القطاع العمومي إلى 9 شتنبر ، وكذا توسيع قاعدة النساء الأرامل المستفيدات من الدعم المباشر لتشمل كل النساء الأرامل في وضعية هشاشة.
الحركة الشعبية:يجب أن الجمع بين المقاصد الإسلامية والمبادئ الكونية
ويرى حزب الحركة الشعبية ان الخطاب الملكي الذي نادى بضرورة تعديل مدونة الأسرة، هو المرجع الأساسي والأولي لأي مبادرة راهنية حول المراة، مؤكدا ان مدونة الأسرة التي نريد تحقيقها، يجب أن تجمع بين المقاصد الإسلامية والمبادئ الكونية، وذلك عبر إقرار توازن داخل الأسرة يحفظ حقوق الرجل والمرأة”،داعيا الى عدم التشدد فيما يخص النصوص الشرعية التي تتقاطع مع مدونة الأسرة، مبينا أن “الوقت الحالي مناسب للانفتاح وتجنب التعصب”.
حزب التقدم والاشتراكية: توفير فرص متساوية للنساء في التعليم والعمل والمشاركة السياسية
دعا الحزب إلى توفير فرص متساوية للنساء في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، وعمل على تعزيز تمثيل المرأة في المناصب القيادية.
في سياق هذه الجهود، دعا حزب التقدم والاشتراكية إلى إصدار قوانين تعزز حقوق المرأة وتحميها من العنف الجنسي والعنف المنزلي. وتعهد الحزب بزيادة تمثيل المرأة في الحكومة والأحزاب السياسية، وتعزيز المشاركة السياسية للمرأة عبر تقديم الدعم اللازم لتسجيلها في الانتخابات وتقديم الدعم اللوجستي لحملاتها الانتخابية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حزب التقدم والاشتراكية يعمل على تمكين المرأة في مجالات العمل والاقتصاد، ويسعى إلى تحقيق المساواة في الأجور بين الجنسين وتشجيع المرأة على العمل في المجالات التي تعاني من نقص في المهارات النسوية.
ويعمل حزب التقدم والاشتراكية أيضًا على تمكين المرأة في المجال القانوني، من خلال تعزيز حقوقها القانونية وتشجيعها على اللجوء إلى القضاء في حالة تعرضها للعنف الجنسي أو التمييز.
ويتساءل مراقبون،لماذا لا توجد، على امتداد الخريطة الحزبية المغربية، سوى امرأة زعيمة لحزب، ويتعلق الأمر بالأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب؟
في حين يؤكد محللون ان ما يعيق وصول المرأة إلى هرم التنظيمات السياسية هو "غياب الديمقراطية بمفهومها الثقافي والتي لا تعني دمقرطة الدولة لمؤسساتها فقط، ولكن دمقرطة المجتمع"،و غياب 'المواطنة الكاملة'، حيث ما يظهر في المغرب هو أننا نعيش في نظام 'باترياركي' (ذكوري) يسعى إلى فرض هيمنة ذكورية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا".
ويحث مراقبوا الشان العام في المغرب، على ضرورة استعمال آليتين بكيفية صحيحة لتجاوز هذه الهيمنة الذكورية على المناصب السياسية: الآلية الأولى هي المدرسة العمومية والمناهج التي يتلقاها الأطفال في المدارس، أما الآلية الثانية فهي الإعلام، خاصة الإعلام المرئي الذي "يشتغل وفق النمط القديم الذي يرسخ للامساواة بين المرأة والرجل".
فاذا كان إبعاد المرأة عن مركز الأضواء داخل الساحة الحزبية بالمغرب مرتبطا بديمقراطية الأحزاب وبنية المجتمع،، فإن هذا الوضع يشمل كل الأحزاب.
"الواقع المغربي يفرض الإشارة إلى أن أيديولوجية الأحزاب وكيفما كانت، لا بد أن تتأثر بالمجتمع المغربي، فالأحزاب هي امتداد للمجتمع".
"مثلا حزب العدالة والتنمية يقول عن نفسه إنه حزب محافظ، وبالتالي يمكن أن نقبل عدم دفعه بامرأة لترأس الحزب، أما حزب التقدم والاشتراكية أو أحزاب أخرى تقول عن نفسها إنها أحزاب يسارية تقدمية، فيُطرح لديها هذا الاشكال بشكل واضح".