إدريس السنتيسي يفكك دلالات ورسائل خطاب ثورة الملك والشعب

في البداية أتقدم أصالة عن نفسي ونيابة عن كافة عضوات وأعضاء وأطر الفريق الحركي بمجلس النواب بأصدق التهاني والتبريكات إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده وإلى الشعب المغربي بمناسبتي الدكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب والدكرى التاسعة والخمسين لميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله وسدد خطاه .

وبخصوص الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى 20 غشت فقد شكل ،مثل سابقه في ذكرى عيد العرش المجيد، ترسيخا للجيل الجديد في الخطابات الملكية السامية حيث ذأب جلالته حفظه الله على تخصيصها لقضايا وملفات متناسقة ومواكبة لسياق المرحلة، حيث خصص جلالة الملك أدام الله عزه هذا الخطاب السامي لمستجدات ملف وحدتنا الترابية في بعده الجيوإستراتيجي وربطه بملف مغاربة العالم برؤية إستراتيجية تستحضر دروس وقيم ملحمة ثورة الملك والشعب المتزامنة مع ذكرى عيد الشباب ، وهو تزامن يربط الماضي المجيد للمملكة المغربية بمستقبلها الواعد ويجسد مسار وطن عريق من حجم المغرب مؤطر بثوابت وقيم راسخة ،وبروح الإستمرارية المتجددة والتلاحم الدائم بين العرش والشعب. وهي قيم وعبر إستهل بها جلالة الملك خطابه السامي وختمه بها .

في هذا السياق فالخطاب الملكي السامي ليوم 20 غشت الجاري حمل عدة رسائل هامة تتطلب من الحكومة والبرلمان ومختلف المؤسسات الدستورية والعمومية ومختلف الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية بلورة أليات عملية لتنزيلها وتفعيلها ، ومن هذه الرسائل التي استلهمنها في هذا الخطاب الملكي التاريخي:

أولا : رسالة إعتزاز بالرصيد الدبلوماسي الوطني الذي رسخ مغربية الصحراء بفضل الرؤية الدبلوماسية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وتماسك الجبهة الداخلية المتراصة وراء جلالته.

ثانيا : رسالة تفيد الإنتصارات الدبلوماسية المتلاحقة لبلادنا والتي خلقت تجاوبا كبيرا مع عدالة قضية وحدتنا الترابية الراسخة بالبيعة والتاريخ وبمشروعية القانون الدولي في مختلف القارات والمجموعات الجيوإستراتيجية سواء في أمريكا وامريكا اللاتينية وفي أروبا الشرقية والغربية وعلى مستوى الفضاء العربي والإفريقي وغيرها .

ثالثا : علاقة بمضمون الرسالة السابقة وجه جلالة الملك رسالة واضحة إلى بعض الدول التي تربطها شركة تقليدية مع المملكة المغربية مفادها نهاية زمن التساهل مع ازدواجية المواقف مطالبا اياها بالكشف عن موقف واضح والخروج من المنطقة الرمادية والإختباء وراء تصريحات عامة تستثمر في الغموض وتفسح المجال لكل التأويلات.

وفي منظورنا فالمعني الأول بضرورة الخروج من هذه الزاوية المغلقة هو فرنسا التي تعد الشريك الإقتصادي الأول للمغرب وبعلاقات تاريخية وسياسية متميزة ومع ذلك تماطل في الكشف عن موقف صريح وحاسم ، وقس ذلك على بعض بلدان الفضاء المغاربي.

رابعا : رسالة واضحة المعالم تؤكد أن الموقف من قضية وحدتنا الترابية هو الميزان الوحيد لقياس علاقات المغرب مع محيطه الإقليمي والدولي أو كما وصفه جلالة الملك نصره الله بالنظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم ويقيس بها الصداقات والشركات ، وعمق هذه الرسالة أن زمن بناء علاقات مع المغرب بلغة المصالح على حساب السيادة والوحدة الترابية للمملكة قد ولى ولا مكان له في مسار مغرب يعرف من أين اتى وإلى أين يسير.

خامسا : رسالة تدعو جميع المغاربة داخل الوطن وخارجه إلى مزيد من التعبئة وتقوية الجبهة الداخلية التي هي مرتكز تحصين وحدتنا الترابية والوطنية ، وهي رسالة تستوجب تقوية وتعزيز مختلف الجبهات الدبلوماسية بما فيها الرسمية والبرلمانية والحزبية والمدنية والشعبية برؤية متكاملة ومتناسقة .

سادسا : رسالة شكر وتنويه بالأدوار الطلائعية لمغاربة العالم في الدفاع عن وحدة الوطن والتراب بمقدساته وثوابته وحرصهم المتميز على الإرتباط بروح الوطنية والمواطنة بتكامل بين الأجيال، وهذه الرسالة جعلها جلالته مدخلا لرسائل أخرى حول حقوق مغاربة العالم على وطنهم ومؤسساته.

سابعا : في هذا الإطار وجه جلالة الملك نصره الله رسالة في صيغة استفهامات تحمل في جوهرها جوابا حول نجاعة السياسات العمومية الموجهة للجالية المغربية المقيمة بالخارج والبالغة كما قال جلالة الملك خمسة ملايين ومئات الآلاف من المغاربة اليهود . وهي إستفهامات موجهة بالأساس إلى الحكومة والبرلمان ومؤسسات الحكامة والهيئات المكلفة بشؤونهم .

ثامنا : في هذا السياق دعا جلالة الملك إلى تعزيز الروابط بين الجاليات المغربية بالخارج مع وطنهم ، وهو ما يتطلب في نظرنا مراجعة للسياسة الثقافية المنتهجة عبر تفعيل أحكام الدستور في تصديره وفي فصوله من خلال استراتيجية تربط مغاربة العالم باللغات والثقافة المغربية الأصيلة بتنوع مكوناتها وروافدها، كما يتطلب الأمر الإعتناء كذلك بالرافد العبري في الثقافة الوطنية لتجسير العلاقة بين الوطن والالاف من المغاربة اليهود بالعالم. ولابد كذلك في هذا الإطار من تعزيز سبل التأطير الديني في صفوف الأجيال الجديدة من مغاربة العالم ونشر قيم الوسطية والإعتدال والتسامح في أوساطهم المهددة بجادبية التيارات المتطرفة والمنحرفة.

تاسعا : رسالة مفادها خلق أليات لاستقطاب الكفاءات من مغاربة العالم وإشراكهم في بناء الوطن وفي مؤسساته ، وهذا في منظورنا يتطلب أن تبادر الحكومة إلى تفعيل أحكام الدستور المتعلقة بضمان تمثيليتهم السياسية والإنتخابية في المؤسسات الوطنية وفي صدراتها المؤسسة التشريعية، كما نعتقد أنه من غير المعقول عدم فسح المجال لهذه الكفاءات والأدمغة للمساهمة في تدبير الشأن العام من خلال القانون التنظيمي للمناصب العليا .

عاشرا : رسالة لخلق مناخ مؤسساتي وإطار تشريعي يستوعب قضايا ومشاكل مغاربة العالم ، وهي رسالة تستلزم، في نظرنا ، مبادرة الحكومة بتعاون مع البرلمان لاقتراح أرضية تشريعية جديدة وبالتالي مراجعة تركيبة واختصاصات المؤسسات المعنية بشؤون مغاربة العالم كمجلس الجالية ومؤسسة الحسن الثاني ، كما أصبح من المطلوب التفكير في خلق قطاع حكومي يتولى شؤون مغاربة العالم برؤية أفقية منسجمة .

وفي صلة بهذا الشق المؤسساتي فالخطاب الملكي السامي دعا بوضوح كذلك إلى خلق الجاذبية في صفوف مغاربة العالم للإستثمار في وطنهم الأم ، وهو ما بتطلب من الحكومة وضع حد للمساطر المعقدة ومباشرة إصلاح إداري شامل وإستحضار وضعية المستثمرين من مغاربة العالم والشباب منهم في ميثاق الإستثمار الجديد .

خلاصة القول أن خطابي جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبتي ذكرى ثورة الملك وقبلها بمناسبة عيد العرش تشكل إطارا مرجعيا وبوصلة استراتيجية مؤسسة لبرنامج عمل سياسي واقتصادي واجتماعي وحقوقي للمرحلة المقبلة ، ونتمنى صادقين أن تبادر الحكومة إلى بناء منظومة عمل مشترك مع مختلف المؤسسات الدستورية والأحزاب السياسية والفاعلين الإقتصاديين والإجتماعيين والمجتمع المدني لتنزيل هذه التوجيهات الملكية السامية وتفعيلها بعيدا عن منطق المواقع و التموقعات السياسوية الضيقة لأن مصلحة الوطن فوق كل إعتبار وحساب