كيف تحصن بارون للمخدرات بهضاب الرباط متحديا 90مذكرة بحث

حكاية جريمة

مستنقع المال القذر للمخدرات، والذي غرق فيه عدد من المسؤولين، لم يرتبط فقط بعالم العصابات، والاتجار الدولي، وقوارب «الزودياك» التي كانت تشحن النشوة القادمة من حقول الكيف باتجاه أوربا، بل إن علاقة عدد من مسؤولي الأجهزة الأمنية امتدت أيضا لتنسج تعاونا مع بارونات كانوا يركزون نشاطهم على المغرب، ويعتبرون من كبار المزودين للسوق الداخلية.

وإذا كانت معظم ملفات التهريب الدولي قد تجد تبريرها في بعد المسافة عن مركز صنع القرار الأمني، وشساعة الامتداد الجغرافي الذي قد يسهل مهمة العثور على ثغرة واستغلالها من خلال شراء ذمم بعض المسؤولين، فإن الأمر يختلف كثيرا عندما يتعلق ببارون للمخدرات جعل من هضبة مشرفة على العاصمة مقرا لأكبر شبكة ترويج على الصعيد الوطني، وتمكن من الصمود في وجه أزيد من 90 مذكرة بحث قبل أن تطيح به صورة، وتتسبب في هدم إمبراطوريته التي كانت تحتل منطقة عكراش المحاذية للرباط.
بشكل يومي كانت العشرات من السيارات المتهالكة والفارهة، بعضها كان يحمل لوحات ترقيم خاصة بمصالح الدولة، أو لوحات ترقيم أجنبية وأخرى تابعة لهيئات قنصلية.
هذه السيارات ومعها العشرات من الدراجات النارية كانت تتخذ وجهة واحدة عبر طريق موحش يثير في عابره نوعا من الرهبة لعلمه أن عشرات العيون تراقبه من فوق التلال المحيطة به، وهو ما ساهم في نسج حكايات غريبة لا تقل غرابة عما كان يحدث بالمكان البعيد بكيلو مترات قليلة عن مقر وزارة الداخلية، ومقر المديرية العامة للأمن الوطني.
والغريب أن الطرق الفرعية التي كانت تؤدي إلى عكراش من الرباط وسلا كانت تعرف دائما تواجد نقط مراقبة، بها عناصر أمنية لم تكن تستفسر الحشود عن سبب مجيئها إلى مكان معزول، لأن السبب واضح، ولا حاجة للسؤال عنه، لذا يتم الاكتفاء في بعض الأحيان بتوقيف بعض السيارات والضغط على الموجودين فيها بأسئلة حول هدف معين، قبل السماح لهم بإكمال رحلتهم، والتمتع بقطعة حشيش حصلت على شهرة وطنية بفضل جودتها التي جعلت المدمنين في وقت معين يرفعون شعار «عكراش ولا بلاش».
في نهاية الطريق وقبل الوصول إلى مطرح الأزبال حيث تتكدس الأطنان من النفايات القادمة من منازل الأغنياء والفقراء، توجد سلسلة من مرتفعات صخرية بجانبها مستنقع من مياه خضراء وعفنة.
هناك كانت تتزاحم عشرات السيارات والدراجات النارية وحشود من الشبان والأطفال الذين يعرضون خدماتهم لصعود الجبل الصخري الذي يجلس فوقه عدد من باعة الحشيش، وهم منهمكون في عملية بيع محمومة لعشرات الكيلوغرامات من الحشيش وسنابل الكيف، واضعين أسلحة بيضاء بالقرب منهم لتأديب أي زبون.
وعكس عمليات التهريب التي كانت تقتضي السرية واتخاذ ترتيبات موزعة ما بين سواحل المغرب وإسبانيا لإنجاح صفقات نقل المخدرات، مع ضرورة التأكد من ولاء العناصر الأمنية المكلفة بالمراقبة، فإن البيع بمنطقة «عكراش» كان يتم بوجوه مكشوفة، وفي واضحة النهار، وعلى مدار الساعة، وكانت أسماء أنواع الحشيش مشهرة في وجه الجميع، والأسعار معلومة، ولا حاجة للمفاصلة فيها، وعلى رأسها سعر حشيش «الفليطوكس» الذي كان يلقى إقبالا كبيرا من طرف المدمنين الوافدين من مدن تمارة وسلا والرباط والجماعات القريبة من المكان، سعيا للحصول على قطعة من هدا المخدر الذي يحمل اسم مبيد حشري.
المكان كان يدار من قبل إخوة حملوا اسم «المزيوقات»، هؤلاء نجحوا في توظيف عشرات المعاونين المزودين بهواتف نقالة لمراقبة أي تحرك مشبوه على امتداد الطريق المليء بالمنعرجات المؤدية إلى عكراش، كما كانوا يتحصنون بالجبل للإفلات بسهولة من أي مداهمة من طرف عناصر الدرك أو الأمن، رغم أن هذا الأمر كان لا يشكل هاجسا يوميا بالنسبة لهم لأسباب ستتضح لاحقا.