حكاية جريمة
أن تكون سائق سيارة أجرة في المغرب فالأمر يتطلب منك الكثير من الحذر والصبر في تعاملك مع عينات بشرية مختلفة ، لكن الشرط الضروري لممارسة هذه المهنة هو القدرة على تمييز بعض الكائنات التي تصعد إلى سيارة الأجرة وليس في نيتها الوصول إلى وجهة محددة، بل الاستيلاء على "الروسيطة" أو الطاكسي.
مثل هذه الحوادث تكررت في السنوات الأخيرة، وتناقلها العاملون في المجال لدرجة جعلتهم يضعون لائحة سوداء بالمناطق التي يحظر دخولها، أو نقل الزبائن إليها، بعد أن تعرض زملائهم لحوادث مأساوية جعلتهم ينتقلون لدار البقاء.
تماما مثل ما حدث لسائق من طرف عصابة استولت على سيارته ،وقام عناصرها بدهسه على مستوى الرأس لدرجة جعلت مخه يتناثر على جانب الطريق السيار، وفي حالات أخرى تم رمي السائق في الخلاء بعد تكبيله وتعريضه لاعتداء بشع بالأسلحة البيضاء. ولأن السرقة عند البعض فن، وإبداع، فإن الحذر أحيانا لا ينفع، كما وقع لسائق سيارة أجرة من الحجم الصغير بالدار البيضاء "غره الزين" ليجد نفسه في الشارع وقد فقد مورد رزقه الوحيد.
الحكاية ابتدأت في يوم صيفي عندما لوحت شقراء فارعة الطول لسيارة أجرة بمنطقة عين الذئاب ليتوقف لها السائق، وبمجرد فتح الباب وصعود الشقراء الفاتنة تسللت إلى أنفه رائحة عطر جعلته يفقد تركيزه، ويعجز عن القيادة دون سرقة نظرات بين الفينة و الأخرى من خلال المرآة العاكسة.
كان مسار الرحلة طويلا لذا بادرت الشقراء إلى تبادل أطراف الحديث مع السائق ما جعله يحس بفرح طفولي أنساه زحمة المرور.
كانت الفاتنة الشقراء تتعمد مخاطبته بصوت يشبه أصوات محترفات الدعارة الهاتفية ممزوجا بضحكات مثيرة، ما زاد من ارتباك المسكين، قبل أن تمد معذبته رأسها و كأنها تبحث عن شيء في الشارع، وهي الحركة التي تابعها السائق باهتمام قبل أن يشاهدها وهي تخرج من حقبتيها ورقة مالية من فئة 200 درهم ،لتطلب منه بأدب وخجل أن يتوقف عند أقرب "صاكة" ليشتري لها علبة سجائر من نوع "مالبورو لايت".
لم يكن السائق ليرفض أو حتى يتردد في قبول الطلب، فشرع في البحث عن محل لبيع التبغ، قبل أن يركن السيارة ويغادر لينفذ طلبات الفاتنة .
انتظر السائق إلى حين أن يفرغ صاحب المحل من تنفيذ طلبيات باقي الزبائن قبل أن يصل دوره ليمسك بعدها العلبة ومعها الصرف ويستدير عائدا.
السائق لن يكمل سيره، بل سيتوقف وستدب في جسده رعشة باردة، بعد أن اكتشف أن الطاكسي قد طار، وطارت معه الشقراء صاحبة العطر الساحر، بلع ريقه وكأنه يكذب نفسه، قبل أن يستفيق ويركض جريا نحو المكان الذي ترك فيه السيارة، التفت يمينا ويسارا عله يكون قد اخطأ في المكان قبل أن تنتابه حالة هيسترية جعلته يمسك رأسه ويشرع في الصراخ، بعد أن رمى علبة السجائر و كأنها تحولت إلى قطعة من الجمر .
تحلق عدد من الفضوليون حول السائق المفجوع الذي شرع في سرد تفاصيل نكبته بجمل غير مفيدة وصوت تغالبه الرغبة في البكاء، قبل أن ينصحه بعض الفهماء بالتوجه نحو أقرب دائرة أمنية من أجل وضع شكاية في الموضوع، وتقديم أوصاف السارقة الجميلة عسى أن تتمكن مصالح الأمن من اعتقالها واسترجاع سيارة الأجرة التي تعيل أطفاله، ليتحول هذا الحدث إلى حكاية تناقلها عدد من سائقي الطاكسيات مرة على سبيل التنكيت والسخرية، ومرة أخرى كدرس ينبغي استخلاص العبر منه حتى لا يقعوا بدورهم ضحايا لزبناء مزيفين.