في خضم التوتر المتصاعد بين طهران وتل أبيب، يطرح سؤال واحد نفسه بقوة، سؤال لا يهم العسكريين فقط، بل كل فرد في هذا العالم يعتمد على الطاقة: ماذا لو نفذت إيران تهديدها وأغلقت مضيق هرمز؟
إنه ليس مجرد ممر مائي، بل هو الشريان الذي يضخ حياة الاقتصاد العالمي، وإغلاقه يعني الدخول في نفق مظلم من الفوضى الاقتصادية والجيوسياسية.
لفهم حجم الكارثة، يجب أولاً أن نعرف أن هذا الممر المائي الضيق بين إيران وسلطنة عمان ليس مجرد نقطة على الخريطة. إنه عنق الزجاجة الذي تمر منه يومياً قرابة 21 مليون برميل من النفط، أي ما يعادل 20% من الاستهلاك العالمي، بالإضافة إلى ربع إمدادات الغاز الطبيعي المسال في العالم، والتي تعتمد عليها دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية بشكل حيوي.
إغلاق هذا الشريان ليس قراراً بسيطاً، بل هو بمثابة إعلان حرب اقتصادية عالمية. دعونا نستعرض السيناريوهات المتوقعة.
السيناريو الأول، سيتمثل في صدمة الأسواق العالمية والركود الحتمي. فور إعلان الإغلاق، ستكون ردة الفعل الأولى هي الهلع في أسواق الطاقة. ستتوقف ناقلات النفط العملاقة في عرض البحر، وستقفز أسعار النفط بشكل جنوني وفوري.
التقديرات التي تتحدث عن 100 دولار للبرميل تبدو متواضعة، حيث يرى محللون آخرون أن السعر قد يتجاوز 150 دولاراً في غضون أيام، لأن العالم سيفقد فجأة خُمس إمداداته النفطية دون وجود بديل فوري.
هذه القفزة ستطلق سلسلة من الدومينو المدمرة، حيث سيبدأ تضخم عالمي جامح مع ارتفاع تكاليف النقل والإنتاج، ثم انهيار اقتصادي نتيجة عجز الشركات عن تحمل تكاليف الطاقة، مما يؤدي إلى ركود عالمي عنيف. كما ستضطرب سلاسل الإمداد بشكل كامل، خصوصاً للدول الصناعية الكبرى في آسيا التي تعتمد على نفط الخليج، مما سيشل اقتصاداتها وقدرتها على التصدير.
أما السيناريو الثاني، فسيكون تأثيره مأساوياً على العرب الذين سيجدون أنفسهم بين مطرقة الجغرافيا وسندان الاقتصاد. دول مثل الكويت والعراق وقطر ستكون في وضع كارثي، إذ ليس لديها أي منفذ آخر لتصدير طاقتها، مما يعني انهيار إيراداتها بشكل فوري. أما السعودية والإمارات، ورغم امتلاكهما بدائل محدودة مثل خط أنابيب "بترولاين" وخط أنابيب ميناء الفجيرة، إلا أن قدرتهما الاستيعابية لا تكفي لتعويض الكميات الهائلة التي تصدر عبر الخليج. النتيجة هي أن صادراتهما ستنخفض بشكل حاد، ولن يعوض السعر المرتفع حجم الخسارة، والأهم من ذلك، أن إغلاق المضيق يعني حصاراً اقتصادياً خانقاً على واردات الغذاء والسلع الأساسية التي تعتمد عليها هذه الدول.
وهنا نصل إلى السيناريو الثالث، وهو الرد العسكري الحتمي. إغلاق ممر مائي دولي بهذا الحجم هو عمل من أعمال الحرب بموجب القانون الدولي، ولن يقف العالم مكتوف الأيدي.
ستقود الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لإعادة فتح المضيق بالقوة، وهو تحالف قد يشمل حتى قوى متضررة مثل الصين. ستحاول إيران استخدام تكتيكات الحرب غير المتكافئة، لكن المواجهة ستكون بينها وبين قوة بحرية وجوية عالمية ساحقة.
ستتحول مياه الخليج إلى ساحة حرب، وسيتم استهداف البنية التحتية النفطية على جانبي الخليج، مما سيفاقم الكارثة الاقتصادية.
في المحصلة، إغلاق مضيق هرمز ليس ورقة ضغط، بل هو "خيار انتحاري" لطهران، و"سيناريو كارثي" للعرب والعالم. إنه خيار يخسر فيه الجميع دون استثناء، ولهذا السبب، ورغم كل التهديدات، ظل حتى الآن في نطاق الحرب النفسية أكثر منه خياراً واقعياً على الطاولة.