محمد بوزفور يكتب: تأهل الأفارقة للمونديال والعامل الأمني !!

هل الانتصارات والتأهيل بمناسبة الدور الإقصائي لكأس العالم هي صمام الأمن والآمان بالملاعب الإفريقية ؟ .. أم أن الخسارة والإقصاء هي التي تولد الغضب و الشغب ؟؟
أم أن الفيصل في فرض السكينة العامة في مثل هذه الأحداث الكروية الكبرى يبقى في يد المصالح الأمنية والقضائية بغض النظر عن نتيجة اللقاء ؟؟
في البداية و للتذكير فقد كانت القارة الافريقية مساء يوم الثلاثاء 29/3/2022 على موعد مع الإعلان عن المنتخبات المؤهلة لفعاليات المونديال بقطر المزمع تنظيمها ابتداء من 21 نونبر إلى 18 دجنبر 2022 . وقد أسفرت المنافسات المختلفة عن تأهل المنتخب المغربي على حساب نظيره الكونغولي ، و عن مرور الفريق الوطني الغاني على حساب نيجيريا .. أما السينغال فقد تمكنت من إزاحة منتخب مصر ، كما حذت حذوها الكاميرون التي باغتت منتخب الجزائر بعقر داره و جعلته يتجرع مرارة الحرمان من حضور عرس المونديال ..
وللجواب على السؤال الوارد بالمقدمة ينبغي التوقف عند النقاط التالية :
- جرت العادة أن تكون الانتصارات مرادفا لمظاهر الفرح بالشارع العام في البلدان المؤهلة . وفي هذا السياق شهدت كثير من المدن الإفريقية إصرار المشجعين على التعبير عن مشاعر السرور والسعادة بشكل جماعي وعفوي دون برمجة مسبقة .. لكن هذه الاحتفالات الشعبية وإن كانت تمثل عنوانا بارزا للوجدان الوطني المشترك، فإنها تتطلب توظيف مجهود أمني على مستوى معين من الأهمية ، وذلك من أجل تأطير التجمعات البشرية المتوسطة أو الكبيرة و تكييف حركة السير والجولان مع الاختناقات والازدحامات بمختلف المدارات والمحاور الطرقية المتاخمة للملعب وبهدف ضمان الشروط القصوى لعدم المس بالأمن والنظام العامين.
ولا يعزب على البال أن هذا الاحتفال الجماعي لا يمر ببساطة دون تأمين شامل من طرف السلطات العمومية ، بل ان التغطية الأمنية لها تكلفته الأمنية أيضا ، من خلال الاستنفار للحصيص البشري المناسب وللمعدات والآليات المتنقلة ، في ظل احتمال بروز مؤشرات الخطورة في أي وقت وحين .. الفرحة الجماهيرية اذن لا تعني الراحة لدى المصالح المختصة وهي المظاهر التي عاشتها مجموعة من المدن المغربية حتى ساعات متأخرة من الليل .. الفرحة لا تعني انتفاء الحريمة والمخالفات بالملعب أو بالشارع العام ، لأن هناك دوما أشخاصا من فئات عمرية مختلفة قد تفسد الأجواء و قد تخرج بها عن مقاصدها المرتبطة بالمشاعر الوطنية ..
وهو المعطى الذي يجعل مصالح الأمن في الدول الافريقية المعنية بمثل هذه الوضعيات ، تفكر قبليا في وضع خطط أمنية استباقية وحشد وسائل تدخل مادية وتنصيب سدود تصفية باهم شوارع المدن و رصد إمكانات بشرية و نشر دوريات مختلفة التشكيل بمحيط الملعب وبأهم المحاور الطرقية ، منها الراكبة والثابتة قصد مواجهة أي انفلاتات طارئة أو محتملة .
- اعتاد رجال الأمن في العالم وبافريقيا بمناسبة التظاهرات الكروية التي تتميز بارتفاع الرهانات الأمنية والرياضية - من قبيل التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم - أن يولوا أقصى الانتباه واليقظة للمرحلة ما بعد المباراة - المسماة مرحلة التفكيك - التي تعتبر خصوصا في حالة هزيمة المنتخب الوطني المستضيف - من أعقد حلقات العمل النظامي وأصعبها على الاطلاق ، على اعتبار أن العمل الأمني يستحضر آنذاك أولوية حفظ النظام بمناسبة لقاء كروي
مهم مع ضرورة عدم إرباك الحياة العادية للمواطنيين بالمدينة المحتضنة للحدث . ومن ثمة ،فإن الأطر القيادية للقوات العمومية المسخرة لتأمين مغادرة الجماهير للملعب في ختام اللقاء ، ملزمون بتوزيع المهام ابتداء من تأمين مغادرة اللاعبين والحكام والأطقم التقنية والإدارية لرقعة الملعب وعدم التقاعس في منع المشجعين من اجتياحه سواء بنية الإعتداء على بعض تلك المكونات أو من أجل الإضرار بمرافق المنشئة الرياضية ، وهو ما شهدته مع الأسف بعض المضامير الرياضية الافريقية .
كما نجد ضمن أجندة توزيع المهام السهر على تأمين الشارع وتحصينه من أعمال التخريب والاصطدامات المحتملة بين الجمهور المحلي الغاضب من الهزيمة و أنصار المنتخب الزائر المنتشين بالفوز .
-و يبدو في أغلب الحالات مع احتمال وجود استثناءات بالطبع ، أن جمهور المنتخبات المتعثرة خارج قواعدها يفكر ألف مرة قبل الإقدام على ارتكاب أعمال مخالفة للقانون سواء داخل البنية الرياضية أو خارجها ، قبل المباراة و أثناءها أو بعد انتهاءها .
لماذا هذا الاعتدال ؟ ..
ولماذا تبني مثل هذه المواقف الرزينة خارج البلاد ؟؟
الأكيد أن التجربة أبانت أن أشرس المشجعين يشعرون خارج بلدانهم بكثير أو قليل من الدونية ولا يحركهم أثناء تواجدهم بالشارع العام - على وجه الخصوص -نفس الشعور بالشجاعة وبالقوة كما هو الحال داخل بلدانهم - ولو كانوا محصنين داخل مجموعة منظمة ، بحكم أنهم واعون ان مصالح الشرطة الأجنبية ستكون لهم بالمرصاد - ودون أدنى تساهل - في حالة خروجهم ولو قليلا عن الجادة .
وفي إطار العلاقة بين الهزيمة والشغب ، لاحظ المراقبون كيف أن ملعب مصطفى تشاكر بولاية " لبليدة " الذي شهد إقصاء المنتخب الجزائري تحول إلى مسرح لأعمال تخريب جماعية تكتسي طابعا متقدما من الخطورة .
في نفس الموضوع تداولت وسائل الاعلام الدولية لقطات اقتحام جماعي حاشد للملعب من طرف المشجعين النيجيريين الذين عمدوا إلى الاعتداء على لاعبي منتخبهم ورشقهم بالحجارة بعد فشلهم في بلوغ نهائيات مونديال قطر 2022، عقب التعادل الإيجابي بهدف لمثله أمام منتخب غانا الذي استفاد بذلك من تعادله بدون أهداف في لقاء الذهاب داخل ملعبه .
و قد تحدثت العديد من المصادر الاخبارية عن مصرع الدكتور كابونغو  الذي كان الطبيب المعتمد لدى “الفيفا” و “الكاف” في هذه المباراة إثر إعتداءات عنيفة استهدفته من طرف الجماهير النيجيرية الغاضبة . كما شهدت أعمال الشغب تدخل عناصر الأمن ، التي لجأت الى استعمال الغاز المسيل للدموع لكبح جماح الحشود التي نزلت إلى رقعة الملعب .
تبعا لهذه الخيوط ، يمكن ان نعتبر كبوات أو سقوط المنتخبات داخل ملعبها كعامل من العوامل التي تخلق احتقانا لدى المشجعين المحليين الذين لا يقبلون بالهزيمة في ظل تحكم مشاعر التعصب والتطرف اللذين لا علاقة لهما بالروح الرياضية وقيم التسامح .. وهي مواقف لا تشكل ظاهرة ثابتة بالبلدان الأوروبية حيث تسود ثقافة السلم و الاعتراف بتفوق المنافس ، خلافا للمجتمعات الأفريقية و كذا جملة محددة من الدول العربية التي تغلب عليها عوامل الجهل وانحسار ثقافة الاعتدال التي تدفع في اتجاه تعليق الفشل الكروي على عوامل أخرى من قبيل التحكيم أو السحر والشعوذة وغيرها مع الإيمان بنظرية المؤامرة .. لذلك نلاحظ أن الجمهور الإفريقي عموما يأبى الرضوخ لمنطق الكرة الذي يحتكم جوهريا إلى معادلة الفوز والهزيمة والتعادل ..فلا يمكن في المحصلة ونهاية التظاهرات الرياضية أن يرفع الكأس أو أن يظفر باللقب سوى منتخب واحد ..
هل الانتصار في مباراة تصفيات بإفريقيا كاف لضمان تحييد الجمهور المحلي وابتعاده عن العنف ؟ المؤكد ان الهزيمة تعصف بتوازن نفسية المشجعين وقد تؤثر على السير العادي للمباريات، وتجعله في ظل عناصر الشحن الإعلامي بل والسياسي و القومي أحيانا يدخل مساحات الاجرام وخرق القانون .

من جهة أخرى ، فإن انتصار المنتخبات المحلية لا يقدم أية ضمانات حول اعتدال المشجع المحلي وحول سلاسة السلوك الفردي أو الجماعي .. الأمر الذي يجعل مصالح الأمن في العالم لا تتوانى في تعزز قدراتها الذاتية على المبادرة و على الحسم متى ارتفع منسوب الخطر من خلال تعبئة كافة أفرادها من أجل مزيد من الحزم واليقظة في اليوم الموعود للمباراة .. وعليه فإن استباق الأخطار وقراءة الحدث من كل جوانبه الجماهيرية على الخصوص و إعداد العدة لمواجهة المخاطر المحدقة أو الممكنة هو سبيل تلك المصالح لرفع التحدي وتقليل الأضرار ، باعتبار أن 100% من الاحتراز والتدابير المشددة لا ينتج صفر أخطار .. وأن صفر إجراءات زجرية (أو ضعفها) يعطي 100% من الأخطار .. !!