تدافع غير مسبوق بين مرشحي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، للفوز بمنصب الكاتب الأول للحزب، قبل المؤتمر القادم والمزمع انعقاده نهاية شهر يناير من السنة المقبلة، خمسة مرشحين ينتمون لأجيال ومسارات
متعدده ومختلفة ، كل واحد منهم يتهم الاخر ، ويقدم نفسه بأنه هو الأجدر باسترجاع القوات الشعبية للاتحاد الاشتراكي التي اغتيلت منذ ”غدر” سنة 2002 بعد أن قرر يعض الانتهازيين في الاتحاد وأد الاتحاد الاشتراكي حيا من أجل مشاركة في حكومة ادريس جطو.
اليوم، المؤتمر الحادي عشر لن يكون كسابقيه ، ويجب أن لا يكون كباقي المؤتمرات. شهر على تنظيم المؤتمر ، بدأ المرشحون لمنصب الكتابة الأولى يقدمون أوراق برنامحهم أو نقاريهم ، من بينهم تقرير المرشحة حسناء أبو زيد، القيادية السابقة في حزب عبد الرحيم بوعبيد، والبرلمانية السابقة، والتي ينقسم حولها الاتحاديون ، منهم يرى فيها المنقذة والقادرة على خلق تعاقد جديد بين حزب الاتحاد الاشتراكي والشعب المغربي، ومنهم من لا يرى فيها سوى الاتحادية ”المزورة” والحالمة لعقد تعاقد جديد للحزب مع الشعب، وهي الفاقدة أصلا لأية شعبية لا داخل الحزب أو خارجه.
جميل جدا أن يشتد التنافس بين الاتحاديين حول الكتابة الاولى للحزب،وهذا لا يقع إلا في الأحزاب السياسية الحقيقية الكبرى كالاتحاد الاشتراكي .
وفي سياق متابعة الاستعداد للمؤتمر الاتحادي نقدم اليوم وثيقة حسناء أبوزيد في انتظار نشر باقي وثائق المرشحين، همنا هو الدفاع عن الحزب /المؤسسة وليس الحزب/ الشخص، لأن الفائز في آخر المطاف هو الاتحاد الاشتراكي وليس حسناء أو لشكر أو بنعتيق أو شقران أو بوبكري أو أو…
ونشير هنا، إلى أنه بعد إعلان حسناء أبو زيد ترشيحها في 14 دجنبر الجاري، لمنصب الكاتب الأول، هاهي يوم 27 دجنبر، تضع مجددا وعن طريق مفوض قضائي تصورها للحزب في المرحلة المقبلة بين أيدي قيادة الحزب الحالية، والرأي العام الوطني، والذي عنونته بـ”الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: الوفاء للهوية والانطلاق نحو المستقبل”.
في هذا التقرير تنشر لكم “بلبريس” أهم الأفكار التي جاءت بها حسناء أبو زيد في تصورها حول مستقبل الاتحاد، الذي تُجمع كل الأطياف أنه يحتاج إلى تجديد نظري وتنظيمي، من أجل عودة حزب “الشهداء” إلى مكانه الطبيعي في المشهد السياسي المغربي.
أزمة تمثل القيم الديمقراطية وأزمة تدبير السلطة الحزبية
اعتبرت أبو زيد أن “كرامة المناضلات والمناضلين الاتحاديين، أساس حقيقي للمواطنة الحزبية الحقة”، ولا يمكن دونها “تحقيق التنظيم الحزبي القوي القادر على مواجهة التحديات المعروضة عليه”.
تقول أبو زيد “لقد أنتجت مؤتمراتنا الحزبية وثائق غنية، الاختيار الثوري، التقرير الإيديولوجي، أزمة المجتمع والبناء الديمقراطي، التقرير حول الهوية وغيرها توثق قراءات فكرية وسياسية انصهر فيها العقل والوجدان الاتحاديين في تفاعل مع الحياة الحزبية في النسق السياسي الوطني والتحولات التي طبعت الفكر الاشتراكي دولياً، من زاوية نظر توافقية حيناً أو صراعية حينا آخر”.
وأضافت أبو زيد “تكاد تجزم كل زوايا تشخيص وضعيتنا الداخلية أن أزمة الديمقراطية الداخلية أو ما أُفضل التعبير عنه بأزمة تمثل القيم الديمقراطية داخل حزبنا مرتبطة ارتباطا وثيقا بأزمة تدبير السلطة الحزبية، فتجربتنا أبانت عن عجز مزمن عن بلورة نموذج سلطة ديمقراطي و منصف يسمو فيه القانون ويتساوى الأفراد أمامه”.
وتابعت المتحدثة ذاتها “إننا نستلهم تصورنا لكرامة المناضلات والمناضلين بالأساس من لُحمة الثقة والالتحام التي كانت تجمع زعماء الحزب بمناضليه ومناضلاته و المناضلين فيما بينهم ولاسيما في المحن النضالية وما ينتج عنها من ضائقات اجتماعية ونفسية، كما نستقيها من التلازم الجدلي بين كرامة المناضل والمناضلة وكرامة المواطنة والمواطن. إذ لا يستقيم أن يحقق مشروع الدفاع عن كرامة المواطنات والمواطنين إلا إذا مَكَّنَ الحزبُ مناضليه ومناضلاته من أسباب الكرامة في إطار المواطنة الحزبية الحقة وقوامها ميثاق أخلاقي جامع وملزم”.
تنظيم قوي..العودة للخلية والإلتحام بالجماهير
اعتبرت أبو زيد، أن “النموذج التنظيمي الاتحادي لم يستنفذ بعد مداه، ويتوجب تطويره وتأهيله ضمن حد الوفاء للهوية والانطلاق نحو المستقبل”، مؤكدة على أن “تحمل المسؤوليات في الأجهزة يجب أن يتم على أساس تعاقدي حول برنامج عمل محدد، واضح الأهداف وقابل للتقييم”.
وفي هذا الصدد، تشدد أبو زيد على “أهمية دور الخلية الحزبية في توسيع قاعدة الحزب وتعزيز ارتباطه بالمجتمع، كما نرى أن إشراك القطاعات المهنية والجمعوية ضمن أجهزة الحزب محليا وإقليميا وجهويا خطوة أساسية لتغذية الحزب وتوسيع قاعدته وتقوية ارتباطه بالمواطنة والمواطن في مجاله الترابي واهتماماته الفئوية والمهنية لاسيما في المحطات الانتخابية”.
واقترحت المرشحة لخلافة لشكر “إشراك المنتخبين والمنتخبات عبر لجان إقليمية وعبر تمثيلية بالصفة في الأجهزة الحزبية المحلية والإقليمية، وحتى يتفرغ الحزبيون للاشتغال التنظيمي ولمهام التأطير التي ينص عليها دستور المملكة نقترح إحداث لجن محلية مختلطة، بمثابة لجان يقظة، تكون مهمتها تتبع ورصد العمل الجماعي بهدف توفير بنك معطيات وأرضيات عمل وخلاصات وتوصيات للأجهزة الحزبية والموازية وللجنة الإقليمية للمنتخبين محققة رهان الالتقائية والتكاملية”.
وقالت حسناء أبو زيد، إن “عملنا يجب أن ينصب على عصرنة و تأهيل أداتنا الحزبية لتتموقع من جديد داخل النسيج المجتمعي وتستعيد المكانة التي كانت لها دائما في المجتمع الذي عرف تطورات كبيرة ونوعية لم نحسن مسايرتها. وهذا يفرض علينا اعتماد سياسة تواصلية جديدة وبديلة توظف تقنيات التواصل الرقمية الحديثة، مما يضعنا أمام ضرورة إنجاح مشروع التأهيل التقني والرقمي لأداتنا الحزبية. كما ينبغي، في علاقة بهذا تثمين الفكر والثقافة في أفق تكويني يستهدف الارتقاء بالعلاقات بين الهيئات و التنظيمات الحزبية، وبينها و بين القواعد الشعبية، مما سيعطينا بعدا وظيفيا يزيد من فاعليتها على مستوى الواقع بأبعاده السياسية، والاجتماعية، الاقتصادية”.
الاشتراكية الديمقراطية خيار أبو زيد والاتحاد بهوية قوية
في هذا الصدد، قالت أبو زيد إن “أحد أهم المسؤوليات المطروحة على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليوم و في المديين القريب والمتوسط، هو العمل صحبة باقي الديمقراطيين والحداثيين على تمنيع وحماية الهوية الوطنية من مخاطر التشوه والتفتت والتشظي التي (قد) تتعرض لها بفعل عوامل متفاوتة خارجية مرتبطة بالعولمة وتداعيات النيوليبرالية واقتصاد السوق، وداخلية مرتبطة باستمرار مظاهر التقليدانية وهيمنتها على الفضاء العام وعلى السلوك الشعبي والسياسي”.
وأضافت ذات المتحدثة “في تقديرنا إن هذا الوضع يطرح تحديات ثقافية وهوياتية عريضة أمام الحزب وأمام البلاد، وبالتالي لابد من جواب مزدوج، داخلي يهم قدرة الحزب على التوفيق بين مرجعيته الاشتراكية الديمقراطية ذات الأفق الكوني وما تفرضه من توافق مع التزامات الحزب تجاه شركائه الاشتراكيين الديمقراطيين في العالم، وبين هويته كحزب مغربي نشأ في بيئة مغربية لها خصوصياتها التاريخية والحضارية والثقافية والتي تنعكس على السلوك الشعبي والسلوك السياسي في نفس الوقت، وهو ما يفرض عليه (الحزب) الدفاع عن ثوابت الهوية الوطنية الجامعة في مواجهة تيارات العولمة والنيوليبرالية والأفكار المتطرفة الخارجية الهدامة.
وتابعت أبو زيد “نرى أن تحقيق هذا الهدف لن يكون إلا بتدقيق تصور الحزب للمجتمع وتحولاته المجالية والعمرانية والديمغرافية والاجتماعية والثقافية والقيمية والتعبيرية من خلال ورشين كبيرين هما: تسريع وتيرة تأصيل الفكر الاشتراكي الديمقراطي في التربة المغربية، والتعاطي بجرأة وثبات مع تسريع غرس الحداثة في التربية المغربية، وبذل كل الجهود لجعل الحرية ممارسة مسؤولة وعقلانية وديمقراطية، وذلك في تجاوز لكل المعتقدات والمظاهر التقليدية”.
وتقول أبو زيد، إن “المطلوب منا اليوم كاتحاديين و اتحاديات هو الجواب عن سؤال: كيف يجب أن نتفاعل مع المجتمع مباشرة ودون أن نجعل الدولة وسيطا في التفاعل معه؟ وبعبارة أوضح هو كيف يجب أن نتحدث مباشرة مع المجتمع وفئاته وطبقاته وأجياله الجديدة واللاحقة؟ وكيف نفهم تحولاته وأعطابه وتحدياته وآفاقه؟ دون أن نفوض للدولة هذه المهمة عبر تطويقها بمطالب دستورية وسياسية واقتصادية و نتبنى معها نتائج التغيير الاجتماعي ونتحمل معها التكلفة السياسية عندما تكون النتائج غير جيدة؟”.
لا بديل عن أحزاب قوية من أجل دولة قوية
أكدت أبو زيد، على أن “هوية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تطورت تاريخيا في ارتباط جدلي مع تطور تصوره لدور الأحزاب في بناء دولة قوية وضامنة للحقوق والحريات بشكل عام، ودور الحزب بشكل خاص”.
وأردفت “فمنذ ميلاد الحركة الاتحادية كمحاولة للإجابة على سؤال: من نحن وماذا نريد؟ إلى أن أرست التحولات الفكرية والسياسية الدولية والوطنية اختيارنا على الاشتراكية الديمقراطية بقيم حداثية، شكل مشروع تقوية دور العمل السياسي والحزبي في بناء الدولة ودمقرطة المنظومة، الهدف الناظم للرؤية السياسية والمؤسساتية للحزب، بل واعتُبِرَ الثابت الذي أخلصت له جل التصورات الإيديولوجية وثبتته حركية التحولات الفكرية و السياسية للحزب”.
“إلا أن الأوضاع السياسية والمؤسساتية التي عرفتها بلادنا منذ فجر الاستقلال وضعت علاقة العمل الحزبي بالدولة في إطار صراعي مرير، أسس لفكرة مفادها أنه لا مجال لمساكنة دولة قوية وأحزاب قوية، بل وتطورت في سياقات معينة إلى الدفع بإمكانية بناء دولة قوية بأحزاب واهنة”، تقول حسناء أبو زيد، وتضيف “مما أدى إلى جانب الأعطاب الذاتية والمناعية على مستوى الأحزاب نفسها إلى ترسيخ أزمة الثقة في الفعل السياسي في عمومه، والذي تطور إلى حالة من الشك البنيوي العريض في نجاعة فعل الدولة نفسها وفعالية السياسات العمومية وقدرتها على تحقيق الكرامة والعيش الكريم”.
وأبرزت المتحدثة ذاتها “لقد استجابت الدولة بإطلاق مجموعة من المبادرات لعل آخرها تعيين لجنة ملكية للنموذج التنموي عملت على تهيئ تصور لنموذج تنموي جديد يتمحور حول محاولة معالجة تراجع ثقة المواطنين في الفعل العمومي بتقديم وصفات لتحقيق الإقلاع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمواطن وورش الحماية الاجتماعية كأحد أهم مداخل المصالحة والتنمية”.
وتستدرك المتحدثة ذاتها “إلا أن الحالة العامة التي خلقتها استحقاقات 8 شتنبر 2021 ونتائجها و التي تتوجت بتشكيل حكومة ائتلافية ليبرالية – فيما يبدو – يقودها حزب التجمع الوطني في تحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، بالإضافة إلى السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية، أدخلت المجتمع السياسي في حالة كساد عميق كنتيجة متوقعة لفصل أكثر شراسة في مسلسل بتر العملية الانتخابية من أي مرجعية سياسية وفكرية”.
وأوضحت أبو زيد أن “قناعتنا راسخة أن تقدم بلادنا و تقوية شعور الوطنية والانتماء وبناء منظومة المواطنة وترسيخ قيم التضامن لا يمكن أن يتحقق في غياب أحزاب جادة قوية، بمرجعيات فكرية وسياسية واضحة وذكاء متفاعل مع تحولات القيم التمثلات الثقافية، وبتنظيمات عصرية ودينامية مواكبة للتحديات المرتبطة بالعولمة والثورة الرقمية من جهة وبالتحولات ذات الطابع الوطني والمتعلقة بالعوامل الديمغرافية والبنية الاجتماعية ومنظومة القيم وغيره”.
وختمت أبو زيد قائلة “إنني وإذ أبسط هذه المحاولة المتواضعة كوثيقة أولية، أطمح إلى إغنائها وتقويمها بفتح نقاشات وتفاعلات بشأنها بين صفوف الاتحاديات والاتحاديين، أوجه نداء أخوياً صادقا لكل الأخوات والإخوان أؤكد فيه أننا كما كنا ولم نزل لا شيء يمكن أن يسمو على مصالح الوطن والمواطن في تصورنا للرؤية السياسية لحزبنا ولخطه السياسي، وأن مسؤولية وأمانة الانتماء إلى مشروع سياسي وفكري بحجم الأفق الذي يمثله حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تفرض علينا تحديات حقيقية بشأن الحفاظ على وحدتنا ومقاومة أطروحات الإرتكاس والانكماش والضمور والتخلف عن المعركة الحقيقية والمتمثلة في أمانة إنقاذ حزبنا بالوفاء لهويته والانطلاق نحو المستقبل”.
نقطة جد ايجابية أن تضع المرشحة حسناء أبوزيد تصورها الإصلاحي أمام الاتحاديين والرأي العام، في انتظار أن يعلن المرشحون الآخرون عن برامحهم ، وهذا الأمر يصعب تصوره عند جل الاحزاب السياسية الأخرى، إنها إحدى مميزات حزب الاتحاد الاشتراكي
ما سيتبقى في هذه المحطة الحزبية النوعية يقع على عاتق المؤتمرين ليعطوا للجميع درسا في الديمقراطية الحزبية في زمن فقدت فيه الأحزاب هيبتها ومهامها الدستورية، وأصبح همها الوحيد التنافس في الانبطاح ليس إلا.