د.خالد فتحي يكتب....خبراء الجائحة في مواجهة التنمر

''العياشة''، ''عملاء المخزن''، ''عملاء منظمة الصحة العالمية'' ، ''أبواق وزارة الصحة ''، عملاء العولمة ،''اذناب الليبرالية المتوحشة'' ،''''نازيون ،''ماسونيون'' ،''إرهابيون''، هذه بعض أهم الصيغ والتخريجات المغربية التي أصبح يهاجم بها علماء الجائحة من طرف من يشككون باللقاح في بلادنا ...هي ظاهرة استرعت الانتباه في الآونة الأخيرة، ليس بالمغرب فقط ،بل وعبر العالم كله. آلاف التدوينات تغص بها مواقع التواصل الاجتماعي كلها تحرش وتنمر واغراء بالتهجم على هؤلاء الجنود "المعلومين" الذين تصدوا طواعية منذ بداية الوباء لشرح تركيبة الفيروس والفيروسات، ملابسات الإصابة ،طرق العدوى ،وسبل الوقاية،والذين حاضروا، وتناظروا واتفقوا، واختلفوا أمام الجمهور العريض المتعطش للمعلومة آنذاك، الخائف وقتئذ جدا من المجهول ،المذعور من صور مئات بل آلاف القتلى الذين حصدتهم الجائحة وهي تعرض في القنوات العالمية ، هؤلاء العلماء والخبراء والأطباء وعلماء النفس والاجتماع... قد كانوا تحولوا والحالة هذه الى نجوم يتابع الألاف حساباتهم الفيسبوكية باهتمام شديد وتقدير وعرفان للمجهودات التي يبذلونها في ذروة الجائحة. فمااللذي تغير حتى تحول هذا الحب الى كل هذه الحساسية و الى هذا الكم من التحرش ؟ وكيف نفسر الآن هذه العاصفة الهوجاء من الهجومات والاعتداءات اللفظية في حق الخبراء ؟؟.
قبل أن استطرد في تحليل الظاهرة، لا بد لي أن أسجل أن هؤلاء الخبراء، و رغم استهدافهم من قبل جائحة التنمر هاته ، يحتفظون بمسافة بين اشخاصهم وبين هذه التدوينات والتعليقات، لأنهم لحسن الحظ ينظرون لها بوصفها تدخل ضمن مخاطر التربية الصحية، والتي موضوعها في هذه الظرفية التوعية بفوائد اللقاح ضد كوفيد 19 ،فدائما هناك ردة فعل للجمهور المستهدف بتبني سلوك صحي ما، لأن التربية الصحية تغيير، وليس كل الناس مرحبين بالتغيير، ولذا قد كان متوقعا هذا التحرش من الممانعين والرافضين الذين تسكنهم نظرية المؤامرة،وبالتالي لا تعتبر هذه العدوانية بالأمر المفاجئ، بل هي سيرورة طبيعية، وصعوبة منتظرة ومؤقتة تتعرض لها الدعوة والداعون الى اللقاح ،
ثانيا : رغم شراسة الحرب التي تشن على خبراء الجائحة، فإنها لا تعكس العدد الحقيقي للمهاجمين،لاننسى أن الممانعين ومن لهم عقيدة مناهضة لللقاح يتميزون بحيوية فائقة ويتحركون بسرعة منقطعة النظير في غرف المحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي،وقلة قليلة منهم يمكن أن يلعب فايسبوك دور مكبر الصوت لها ،فتلحق أفدح الأضرار بصورة اللقاح خصوصاواننا نعرف ولع الناس بالاخبار الغريبة النشاز التي تخرج عن الصندوق. هذه الاستماتة في تسويد وجه اللقاح تؤتي أكلها حين يقابلها تقاعس واضح عند من تلقحوا رغم عددهم الهائل . والسبب في ذلك بسيط ،فالملقحون هم بصحة جيدة قبل وبعد اللقاح. ليس لديهم حدث ،بعكس مناهضي اللقاح الذين لديهم الآن هذه الآثار الجانبية البسيطة التي يستغلونها كأحداث ووقائع ينفخون فيها لتنطلق منها حملتهم المغرضة ضد اللقاح
ثالثا: علينا أن نفهم أن الهدف من التنمر ليس خبراء الجائحة، وإنما التشهير باللقاح ،وبالتالي فإن هذه الحملة ترمي إلى تثبيط عزيمة الخبراء وتحييدهم عن النقاش الدائر لاستفزازهم ودفعهم للتخلي عن مهمتهم التربوية والتحفيزية للناس التي ينخرطون فيها عبر الحوار والالحاح و الاقناع بالأدلة العلمية والبراهين والأرقام بضرورة الإقبال على اللقاح.هذا التحييد سيترك اللقاح وحيدا في المعركة دون دفاع مما يسهل الإجهاز على كل حملات التلقيح. ولذلك هو تكتيك مدروس بعناية لعزل اللقاح.
رابعا: يهدف هذا التنمر الى افراغ المجال التواصلي من هؤلاء الخبراء لفتح الباب امام مختصين أخرين ذوي شواهد علمية سيتولون القيام بالتغطية العلمية لحملات رفض التلقيح، حيث يحلون محل علماء الجائحة، ويضفون نوعا من الشرعية العلمية على هذه الحركية ،ويصبغوها بالصيغة العلمية ،وبذلك يحدد المتنمرون مهمة هؤلاء الخبراء الجدد المنصبين في تفنيد العلم بأدلة علمية، أدلة هي في الغالب سوفسطائية لا تصمد أمام التحليل العلمي الحقيقي . تكون مكافأة الانقياد وتلبية هذا الطلب آلاف اللايكات وتعليقات المدح والثناء تخرج " علماء محاربةالتلقيح " من الظل .و رغم أن كل أدلة هؤلاء ودفوعاتهم هي فقط عاطفية و شعبوية تنصب على حالة واحدة او اثنتين لتخرج منها باستنتاجات ظاهرها علمي وباطنها خرافي ،فإنها تعتبر لدى المتنمرين ذروة العلم
خامسا: يعير المتنمرون الخبراء بكونهم يتكلمون فقط، ولم يصنعوا لقاحا ا،و يطوروا دواء ،وذلك لاحراجهم بحقيقة البحث العلمي الذي نعرف جميعا أنه لا يرقى للمستوى المطلوب. هؤلاء ينسون أن خبراءنا أيضا ساهموا في تأطير التجارب السريرية وعالجوا ووضعوا الخطط الاستراتيجية ونشروا أبحاثا طبية ميدانية عن الجائحة في مجلات محكمة، و أنهم قادرون بتكوينهم الصلب الذي تلقوه بالمغرب وبالخارج على التاقلم مع اقوى المختبرات العالمية وينسون أن البحث العلمي هو اختيار امة وقناعة نخبة سياسية قبل كل شيء . وان مكافحة الجائحة يجب أن نستغلها جميعا لتشجيع البحث العلمي والعلماء
خامسا : التحجج بانعدام البيانات المغربية وضرورة معرفة الخصائص المغربية في التفاعل مع الوباء او اللقاح كما يعيب ذلك المتنمرون على خبراء الجائحة غير مقبول .فمكافحة الوباء على الأقل من الجانب العلمي المحض واحدة ومعولمة. ليس هناك لقاح للسنغافورويين وآخر للأثيوبيين أوالامريكيين حتى يكون هنا استثناء مغربي .اللقاح يتفاعل عند الكل بنفس الطريقة،والدول الذكية هي من تستفد من تجارب من سبقها، والخبراء الفطنون هم الذين يستطيعون تجنيب بلدانهم بتوصياتهم كوارث الاخرين، القادرون عل التحليل والحدس واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ،وهذا ما ابان عنه الخبراء المغاربة طيلة الجائحة. هنا يكمن الفرق بين الدول ..أي في دهاء وحكمة القيادة العلمية والسياسية ايضا. وهذا ماقد حصل لحد الان بالمغرب خلال صراعه مع كوفيد 19.
أعتقد أن التنمر ضد الخبراء بما أنه يعم كل العالم هو سحابة صيف ستنقشع، وهو من الافرازات الطبيعية لجائحة حدثث خلال عولمة مطبقة وعصر سماوات مفتوحة على آخرها. جزء كبير من التنمر ناجم عن العياء والارهاق وعن تمطط جدول التلقيح، جزء منه أيضا هو عتاب مبطن للعلم الذي لم ينجح في القضاء المبرم على الجائحة،العلم الذي لايفهم البعض كيف أنه يغير اقواله مع مرور الوقت. لكن علي الخبراء أن يقولوا للناس أن النظرية العلمية والعلم الذي لا يقبل الدحض ليس علما بالمرة. على الخبراء أن يشرحوا للناس أيضا محدودية العلم وقابليته اللامتناهية للتطور والتبدل ويقولوا لهم أنهم يتحدثون وفق المعطيات العلمية المحينة الى حين إشعار علمي آخر .هكذا سيشعر الكل بمسؤوليته تجاه الجائحة ويقوم بالمطلوب منه. اما التنمر فقد كان عبر العصور وسيظل دائما أحد الصعوبات التي يواجهها العلم وخيار التنوير،ما يتغير فقط هو شكل التنمر وطرق تصريفه. مهما كان العلم يبدوا لنا محدود القدرات في بعض اللحظات، فإنه يظل دائما سبيل الخلاص الوحيد ، لأن البديل الذي يقترحه المتنمرون هو الخرافة والشعوذة و العودة للقرون الوسطى والاستسلام لجنون الطبيعة الى أن تكف ايديها عنا. بينما يقترح العلم المقاومة والصمود الى حين تحقق النجاح. أليست طريقنا واضحة؟؟؟؟؟.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.