تجري منذ شهور حرب صامتة بين فئة الأحزاب الكبرى بالمغرب، واقصد التجمع الوطني للأحرار والاستقلال والعدالة والتنمية والاصالة المعاصرة لرئاسة الحكومة المقبلة. حرب من المنتظر ان ستصبح علانية وشرسة مع قرب فترة الحملة الانتخابية.
دستوريا الحلم برئاسة الحكومة حق دستوري. لكن سياسيا الامر ليس بالهين خصوصا في ظل القوانين التنظيمية المؤطرة للاستحقاقات المقبلة والتي كانت مفاجأتها الكبرى احتساب القاسم الانتخابي على اساس المسجلين بدل المصوتين.
وتؤكد نظريات علم السياسة ان نوعية القوانين المؤطرة لأي انتخابات هي مؤشر على الخريطة السياسية المنتظرة، لذى أقول ان مدونة الانتخابات للاستحقاقات المقبلة ستفرز خريطة سياسية جديدة سيكون حزب العدالة والتنمية من اكبر المتضررين فيها، كما انها يمكن ان تخلق مفاجآت.
وعليه، فبعد مقالنا السابق حول حظوظ حزب التجمع الوطني للأحرار في الفوز برئاسة الحكومة المقبلة وهزم البيجيدي، ومخاطر فشل عزيز اخنوش في ذلك. سنحاول في هذا المقال الثاني مقاربة حظوظ حزب البيجيدي وامينه العام العثماني او فشله في الانتخابات المقبلة.
صحيح، مع كل استحقاق انتخابي تتجه كل الأنظار الى حزب العدالة والتنمية لكونه أصبح يشكل ظاهرة سياسية تستحق الدراسة والبحث خصوصا بعد تصدره المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لسنتي 2011 و 2016.
ومع قرب انتخابات 2021 انقسمت آراء المراقبين حول تموقع الحزب في الانتخابات المقبلة، منهم من يرى ان البيجيدي ما زال حزبا قويا ويمكن ان يقود الحكومة المقبلة لولاية ثالثة ويتصدر نتائج الانتخابات المقبلة، ومنهم من يرى ان مهامه قد انتهت وانه استهلك وفقد عذريته ويستعد للاصطفاف في المعارضة لأول مرة منذ حوالي عقد من الزمن.
العدالة والتنمية حزب أهلكته التصدعات الداخلية والسلطة: يستعد حزب البيجيدي للانتخابات المقبلة على إيقاع تصدعات داخلية وعزلة سياسية، بعد ان اتسعت دائرة الخلافات بين تياراته المختلفة، خصوصا بعد التصويت على القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، ومسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل وقضية تشريع القنب الهندي، حتى كاد الحزب ان ينفجر من الداخل بعد تهديد سعد الدين العثماني بالاستقالة بعد ان ارتفعت
أصوات عديدة داخل المجلس الوطني تطالب باستقالته او بإقالته مما أضعفه حتى امام أحزاب الأغلبية الحكومية.
لذلك، يخوض -اليوم- رئيس الحكومة الذي انهكته السلطة عدة حروب وعلى جبهات متعددة، خصوصا على مستوى الجبهة الداخلية لحزبه حتى اصبح المرء يعتقد ان حزب العدالة والتنمية يسير برأسين: العثماني وبنكيران. بنكيران الزعيم المقلق للعثماني، حيث انه لا يترك مناسبة الا وانتقد ما يسميه انبطاح وضعف العثماني امام الديوان الملكي وأعضاء الحكومة خصوصا بعد التصويت على قانون القنب الهندي، وهو ما يتناقض ومرجعية الحزب. تصويت فتح أبواب جهنم على العثماني وأربك كل مكونات الحزب وأحدث تصدعات كبرى داخله.
مؤشرات وعوامل وعدم إمكانية تصدر الانتخابات المقبلة: صرح قادة العدالة والتنمية ومن بينهم العثماني أن الحزب سيتصدر المشهد السياسي، رغم اعتماد قاسم انتخابي على قاعدة عدد المسجلين وليس على قاعدة عدد المصوتين، حيث يتوقع قادة الحزب تصدره المشهد الانتخابي بالحصول على مقعد في كل دائرة انتخابية (عدد الدوائر 92) لان القاسم الانتخابي الجديد لا يسمح لأي حزب الفوز بأكثر من مقعد بها، مقابل إمكانية الفوز ب 10 مقاعد أخرى عن طريق اللائحة الجهوية، ليحصل على اكثر من 100 مقعدا.
لكن، عمليا، يصعب أن يحصل العدالة والتنمية على مقعد في كل دائرة من الدوائر الانتخابية92، فهذه النتيجة لم يستطع الحزب تحقيقها حتى في عهد بنكيران وانتخابات أكتوبر 2016، حيث كان فيها الحزب في أعلى مستويات قوته التنظيمية والانتخابية، وفي اعلى تماسكه الداخلي والتنظيمي. إضافة الى ان سياق انتخابات 2021، يعرف فيها المشهد السياسي الوطني والدولي تحولات كثيرة ستؤثر على جبهته الداخلية وعلى قاعدته وشعبيته الانتخابية، وهو ما أفرزته جائحة كورونا التي عرت حقيقة العثماني ووزراء حزبه.
وحسب بعض قيادي الحزب ، يمر الحزب اليوم بمرحلة تحولات فكرية كبرى، وبتصدعات داخلية عميقة، ستؤثر بدون شك على جاهزية الحزب، وهو ما يقره مناضلوا وصقور الحزب، بتعبيرهم بعدم الرضى على العثماني لتدبيره الشأن الحكومي والحزبي، حيث اصبح في نظرهم قريبا من تدبيرهما بنفس مناهج قيادات’’ الأحزاب الإدارية’’،وهو ما قَوَّى ثقافة التدمر والإحباط واليأس داخل الحزب الذي يواجه اليوم عدة تحديات كبرى: 1 -تصدع داخلي أضعف جاهزية الحزب الانتخابية والتماسكية والتنظيمية2 -مغادرة كثير من الناخبين الكبار حزب العدالة والتنمية . 3 - تأثير القاسم الانتخابي وتغيير نمط الاقتراع في الدوائر الانتخابية التي تتراوح ساكنتها ما بين 35 ألف و50 ألف من نمط الاقتراع اللائحي الذي كان في صالح العدالة والتنمية إلى نمط الاقتراع الفردي، الذي سيخدم مصالح الأحزاب الصغرى.4 – فقدان الحزب لشعبيته وفشله في
تدبير الشأن العام مما أخلق حالة تدمر وسخط عند المواطنين.5 – استقالات/ تراجع الأزمي الإدريسي ومصطفى الرميد، وتجميد المقرئ الإدريسي وعبد الاله بنكيران عضويتهما بالحزب ورفض أي تواصل مع أعضاء الأمانة العامة6. - صراع الزعامة بين عبد الإله بنكيران، المتحكم في التنظيم والممثل لمرجعية جماعة الاصلاح والتوحيد داخل الحزب، وسعد الدين العثماني رئيس الحكومة الذي يمثل التيار الاستوزاري البراغماتي القريب من القصر الملكي. 7- تباين المواقف بين هياكل الحزب اتجاه الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.8 – تباين موقف أجهزة الحزب خصوصا المجلس الوطني وأعضاء بعض الأمانة العامة للحزب من الوضع العام بالبلاد.9-تناقض موقف أعضاء الأمانة العامة للحزب الذين يربطون بين نوعية المشاركة السياسية واستمرار الحزب في السلطة بموقف القصر ومحيطه وبالأحزاب السياسية الفاعلة من الحزب. وموقف أعضاء المجلس الوطني وأجهزة أخرى المطالبين بمغادرة الحكم والاصطفاف في المعارضة بعد أن أضعفت تجربة الحكم الحزب وأجهزت على امتداه الشعبي والانتخابي، وهو ما سيعرّض الحزب لهزيمة متوقعة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وفي هذا السياق يجب فهم ووضع تحركات بنكيران الأخيرة وأيضا بعض أعضاء المجلس الوطني من أجل الاحتفاظ بالرصيد الانتخابي للعدالة والتنمية.
امام هذه الوقائع وأخرى، كل الاحتمالات تبقى واردة امام البيجيدي الا الفوز برئاسة الحكومة في سياق صعب اقتصاديا وسياسيا يتطلب حكومة قوية بوزراء لهم بروفيلات جديدة متوفرين على ثقافة التدبير والحكامة وهو ما ينعدم في قيادة الحزب حاليا، حيث ان قوة الحزب تتمثل في القواعد، مقابل تواضع وضعف صقور الحزب.
إضافة الى ان طبيعة النظام السياسي المغربي لن يقبل بثلاث ولايات لأي حزب. خصوصا وأن حزب العدالة والتنمية انتهت صلاحياته، وأصبح ترأسه للحكومة مكلفا سياسيا واقتصاديا داخليا وخارجيا، في ظروف فقد فيها الحزب الكثير من شعبيته وتماسك اجهزته وقواعده، الامر الذي من الممكن تعرضه لتصويت عقابي قوي كما وقع لنقابته التي فقدت مكانها ضمن النقابات الأكثر تمثيلية، وهو مؤشر إنذار لحزب العدالة والتنمية لهزائم سياسية أخرى في الاستحقاقات المقبلة ستبعده عن رئاسة الحكومة وهو ما يرغب فيه الكثير من صناع القرار تفاديا لأي بلوكاج جديد سيكون اكثر كلفة في سياق استثنائي فرضته جائحة كورونا التي دمرت كل شيئ.