“ذي ايكونوميست”: أزمة سبتة للتغطية على حَرج التطبيع أمام قصف غزة

قالت مجلة “ذي ايكونوميست” إن الأزمة التي انفجرت مؤخرا بين المغرب واسبانيا، خاصة في شقها المتعلق بنزوح آلاف المهاجرين المغاربة نحو سبتة المحتلة، قد تكون جاءت للتغطية على الحرج الذي وجدت السلطات المغربية، التي طبعت مؤخرا علاقاتها مع إسرائيل، فيه نفسها عندما اندلعت الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وحذرت المجلة، التي تعتبر من أكثر المجلات في العالم رسانة ومصداقية، من كون إرسال قاصرين غير مرافقين بذويهم إلى سبتة يصب في مصلحة الحزب القومي اليميني المتطرف “فوكس”، الذي سيكون جارا معاديا للمغرب في حال وصوله إلى الحكم في اسبانيا. وفيما يلي نص الإفتتاحية.

جاؤوا بالمئات سباحة حول السياج الحدودي الذي يحمي مدينة سبتة، أو مشيا على الأقدام عبر الشاطئ أمام الأعين المتساهلة لحرس الحدود المغاربة الذين كان بإمكانهم إيقافهم. هذا الأسبوع، وفي ظرف 36 ساعة، دخل 8000 مرشحا للهجرة إلى سبتة ، وهي ثغر تقطنه 85000 نسمة. بالنسبة للسلطات الإسبانية ، كان التعامل مع هذا التدفق بمثابة مشكلة إنسانية آنية. كما أن عسكرة الهجرة يضع حكومة رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو سانشيز، في مأزق طويل الأمد.

بعد أن اهتزت على حين غرة قامت إسبانيا بنشر 3000 جنديا مع عربات مدرعة حول سبتة وأرسلت تعزيزات أنية بقدر 200 شرطياً. كما توجه السيد سانشيز بنفسه إلى المدينة متعهداً بالدفاع عن “وحدة أراضيها”. يذكر المسؤولون الأسبان “المسيرة الخضراء” سنة 1975، عندما حشد الملك الحسن الثاني، ملك المغرب آنذاك، 350 ألف مدني للعبور إلى الصحراء، جنوبا ، بعد أن تخلت إسبانيا عن مستعمرتها.

رغم أن المغرب يطالب بسبتة ومليلية، إلا أن الهدف من توغل هذا الأسبوع كان أكثر محدودية. الحكومة المغربية تشعر بالغضب لأن إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، قدم مؤخراً إلى اسبانيا للعلاج جراء إصابته بكوفيد 19. لم تنجح إسبانيا في إقناع المغرب بما قالت إنه فعل إنساني بحت. “هناك أفعال لها عواقب” تقول سفيرة المغرب في مدريد هذا الأسبوع.

بعد أن أوضح وجهة نظره، قام المغرب يوم 18 ماي الماضي بإغلاق الحدود مع سبتة مرة أخرى. وقامت إسبانيا بترحيل معظم هؤلاء المهاجرين، ولكنها، بموجب القانون الدولي، لن تستطيع بسهولة ترحيل حوالي 1500 قاصراً غير مرافقين بذويهم. يؤكد المسؤولون الإسبان أن المغرب شريك يقدرون العلاقات والتعاون الوثيق معه، وحرصوا على عدم تأجيج المواجهة أكثر. ومع ذلك ليس من المرجح أن يشكل هذا الأسبوع نهاية شهور من التوتر المتزايد.

شعر المغرب بالتمكين من القرار الذي اتخذه في ديسمبر دونالد ترامب، رئيس أمريكا وقتها، باعترافه بسيادة المغرب على الصحراء مقابل اعترافه بإسرائيل. يريد المغرب من إسبانيا أن تحذو حذو ترمب، وهذا صعب لسببين: أولهما أن إسبانيا بصفتها القوة الاستعمارية السابقة، تشعر بمسؤولية دعم قرارات الأمم المتحدة التي تطالب المغرب وجبهة البوليساريو بالتفاوض. في الواقع، لا توجد هناك تقريبا أية فرصة لتسوية النزاع. أما السبب الثاني فهو أن إسبانيا تعتمد على الجزائر، الداعم الرئيسي للبوليساريو، في ثلث وارداتها من الغاز الطبيعي.

ومع ذلك، فإن المغرب شريك حيوي بالنسبة لإسبانيا لا سيما في مراقبة الهجرة والإرهاب. في هذا الصدد يقول “خوسيه إجناسيو توريبلانكا” عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”، وهي مؤسسة فكرية: “يقولون إننا نساعدكم في القضايا التي تعتبر وجودية بالنسبة لكم، في حين أنكم لا تساعدوننا على الإطلاق في قضية وجودية بالنسبة لنا [قضية الصحراء]”.

هل يخاطر المغرب بذهابه بعيداً؟ إن الإعتراف بإسرائيل لا يحظى بشعبية في الداخل ومن المؤكد أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن تأتي عملية سبتة بينما كانت إسرائيل تقصف غزة. لقد أوقف الوباء سنوات من النمو الاقتصادي المتزايد، والكثير من الشباب المغاربة، الأفضل تعليماً من آبائهم ولديهم أقارب في أوروبا، يتوقون لمغادرة البلاد. حكومة المغرب، التي تفهم السياسة الإسبانية جيداً، تدرك أن إرسال القاصرين غير المرافقين بذويهم إلى سبتة يصب في مصلحة الحزب القومي اليميني المتطرف “فوكس”، الذي سيكون جارا معاديا للمغرب في حال وصوله إلى الحكم في اسبانيا.

الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر مصدراً مهماً للمساعدات والتجارة بالنسبة للمغرب، سارع إلى الوقوف خلف إسبانيا هذا الأسبوع. بعد الأزمة السورية، أدركت بقية أوروبا أن الهجرة غير النظامية “عامل محتمل هائل لزعزعة الاستقرار السياسي، لا سيما عند استخدامها كسلاح” ، كما يقول توريبلانكا. لكن هذا لم يمنع حاكم تركيا، رجب طيب أردوغان، من استخدام المهاجرين بهذه الطريقة. المغرب، في الطرف الآخر من البحر الأبيض المتوسط، يعتقد أنه يستطيع الاستمرار في فعل الشيء نفسه.

ترجمة موقع “لكم”