لئن انتهت فترة الشك بتشكيل حكومة ائتلافية في تونس، تتكون من خمسة أحزاب سياسية (النهضة، والتيار الديمقراطي، وحركة الشعب، وتحيا تونس ونداء تونس) وأغلبية من المستقلين، فإن ذلك لا يعني، مع ذلك، أن الطريق باتت ممهدة أمام رئيس الحكومة الجديد، إلياس الفخفاخ.
ذلك، أن عدة أسئلة مازالت تطرح بعد أكثر من أربعة أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي تخللتها تجاذبات متوترة، داخل طبقة سياسية مشتتة، ولعبة حسابات النفوذ من أجل "تقاسم الكعكة".
ومن بين هذه الأسئلة العالقة، ما يدور اليوم، حول نطاق هامش مناورة الحكومة الجديدة.
ففي ضوء وضع صعب ومعقد، ستجد الحكومة الجديدة، التي ستنال الثقة دون عناء، إدارة تكاد تكون متوقفة، وخدمات عمومية معطلة، ومؤسسات عمومية على شفا الإفلاس ومحيط أعمال تساوره الشكوك. فبدون برنامج منسجم والتزامات واضحة، من أين ستبدأ هذه الحكومة التي طال انتظارها؟ وما مصير حكومة مضطرة للعمل في سياق أزمة؟
وبحسب المراقبين، فإن المسألة تكمن في غياب الانسجام المحتمل داخل الفريق الحكومي، وضعف تضامنه. هذه العوائق تهدد الحكومة في حالة مواجهة أزمة، وذلك على الرغم من تطلعات رئيسها إلياس الفخفاخ.
ويبدو أن حركة النهضة لن تغفر لإلياس الفخفاخ وقوفه غير المشروط في صف رئيس الجمهورية قيس سعيد، وتواطؤه مع الأحزاب المناوئة لها (التيار الديمقراطي وحركة الشعب).
وبرأي هؤلاء المراقبين، فإن الأمر يتعلق بحكومة تتوفر في مواجهة تحديات كبيرة، على حزام سياسي ذي متغيرات عدة. ومن المفارقة أن هذه الحكومة مدعوة إلى تبني سياسة اجتماعية نشيطة، من محاورها الرئيسة محاربة الفقر، وتشغيل الشباب، وتنمية الجهات، وتحسين الخدمات العمومية واستعادة التوازنات الاقتصادية، علما أنها ستكون في الوقت نفسه، مضطرة ولو في البداية فقط، إلى تبني إصلاحات مؤلمة من شأنها أن تقوض التحالف، وتثير غضب أكبر مركزية نقابية وهي الاتحاد العام التونسي للشغل.
ويتعلق الأمر أيضا بحكومة حيث التعايش بين وزراء من مشارب مختلفة، قد يكون صعبا، وفق ذات المصادر.
ومن الواضح أن التوافق الذي تم التوصل إليه يوم الأربعاء توج مشاورات شاقة. ففي اللحظات الأخيرة، انتهى الأمر بحركة النهضة التي باتت منقسمة أكثر من أي وقت مضى، بعد جدل محتدم بداخلها، إلى إعطاء الضوء الأخضر للحكومة.
واعتبر عبد الكريم الهاروني، رئيس مجلس شورى حركة النهضة، أن الساحة السياسية التونسية يجب أن تثبت أنها في مستوى المسؤولية وتترك جانبا الخلافات الإيديولوجية، لإعلاء مصلحة البلاد.
وعشية ذلك أعلن المجلس الوطني لـ "تحيا تونس" أنه قرر منح الثقة لحكومة الفخفاخ. ويعتبر الحزب الذي يتزعمه يوسف الشاهد، أن هذا القرار اتخذ من أجل المصلحة الوطنية، وبهدف وضع حد للأزمة الحالية التي تمر بها البلاد.
أما "قلب تونس"، ثاني حزب سياسي ممثل في البرلمان، ورغم كل محاولات حركة النهضة لضمه إلى الائتلاف، دون جدوى، فإنه لن يصوت في البرلمان ضد الحكومة. فقد قال رئيس الحزب نبيل قروي إن حكومة الفخفاخ ستحصل على ثقة مجلس نواب الشعب، مبرزا أن هذه الحكومة ستمر لتجنب حل البرلمان.
ومن المؤكد أن احتواء الأزمة السياسية في اللحظات الأخيرة، قد وضع حدا للجدل الذي احتدم منذ أيام في البلاد. وهو الجدل الذي أججته النهضة، التي سعت جاهدة إلى خلط الأوراق من خلال التلويح بنيتها سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال، وتعيين مرشح من قبل البرلمان وفقا للفصل 91 من الدستور.
وسرعان ما خاب أمل الحركة، إذ تدخل رئيس الجمهورية قيس سعيد ليعيد النهضة إلى جادة الصواب حيث أكد إنه "لا يمكن سحب الثقة" من حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يقودها يوسف الشاهد، موضحا أن "أحكام الدستور واضحة (...) الفصل 89 من الدستور هو الذي ي طب ق في الوضع الحالي"، وشدد "على وجوب احترام ما جاء في نص الدستور".
كما أوضح قيس سعيد أنه "لا يجوز سحب ثقة من حكومة تصريف الأعمال لأنها غير مسؤولة أمام المجلس النيابي الحالي، إذ لا يمكن لمجلس أن يسحب ثقة من حكومة منحها الثقة مجلس نيابي سابق له".
والسؤال الذي يؤرق بال التونسيين اليوم، هو معرفة ما إذا كان تشكيل الحكومة، سيبدد التوتر وانعدام الثقة في العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب، في الوقت يسعى فيه كل جانب إلى تبرير شرعيته. فالأول يحظى بشرعية انتخابية سمحت له بجمع أكثر من 70 في المائة من الأصوات خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. أما الثاني فيمثل شرعية المؤسسة البرلمانية وثقل حزب النهضة، الذي وإن كان قد فاز في الانتخابات التشريعية، فإنه لا يمكنه أن يدير شؤون البلاد كما يشاء.