يعد فن النسيج، باعتباره أحد أقدم الحرف التقليدية للقبائل والحواضر المغربية، قطاعا أبانت فيه المرأة المغربية عن موهبتها وعبقريتها وإبداعها.
واستطاع فن النسيج، بفضل خبرة متأصلة وشغف حرفيين دافعوا بشكل مستميت عن هذا الإرث المتجذر، أن يحقق إشعاعا منقطع النظير على الصعيد الدولي، حيث ارتقى رجال ونساء بهذا النشاط إلى قاطرة اقتصادية حقيقية، من خلال منحه قيمة فنية عالية. وخصص الأسبوع الوطني للصناعة التقليدية (المنعقد بمراكش بين 11 و26 يناير الجاري) منطقة عرض خاصة بفن النسيج، في مسعى منه إلى إبراز هذا التقليد التاريخي للمغرب وجوانبه المتعددة وتقنياته المبهرة، والتي تدل على عبقية مغربية تحدت الزمان. وهكذا، يقترح المعرض أشكالا من الأنسجة التقليدية المصنوعة من الصوف والقطن والحرير، تنحدر من الجهات الـ12 للمملكة، حيث برزت هذه الحرفة قبل 1500 سنة من الميلاد وأضحت حاليا، زهرة الصناعة التقليدية المغربية. وأكدت السيدة فاطمة البومرواني، العضو بتعاونية تكوالت للنسيج (جماعة بزو التابعة لإقليم أزيلال)، أن منتوجات نسيج الحرفيين البزيوين تحظى بطلب كبير، بفصل سمعتها التي تجاوزت الحدود الوطنية نظرا لجودتها العالية.
وأشارت السيدة البومرواني إلى أن النساء النساجات قد يقضين شهرا كاملا من العمل الدؤوب من أجل خياطة جلابة بزيوية، الأمر الذي يفسر الثمن "المرتفع" بالنسبة لغير الملمين بخبايا نسجها، لكنه يظل مبررا عند العارفين بهذا الفن، موضحة أن تحضير الصوف المستعمل في نسج المنتوجات التقليدية البزيوية يباع بأثمنة مرتفعة (1200 درهم لليكلوغرام الواحد).
من جهتها، توقفت السيدة فاطمة بورو، رئيسة جمعية حرف تقليدية متخصصة في النسيج بمكناس،، عند إشكالية تسويق منتوجات الصناعة التقليدية، ومن هذا المنطلق تكمن أهمية هذا النوع من المعارض والمشاركة في معارض دولية مخصصة للصناعة التقليدية.
من جانبه، أكد الصانع التقليدي من مدينة فاس، السيد عادل لوليدي، أن الصناع التقليديين المغاربة يتمتعون بمواهب كثيرة وإبداعات متميزة، حيث استطاعوا أن يلائموا الأذواق والأشكال المتغيرة باستمرار، مشيدا بوجاهة اختيار موعد انعقاد هذا المعرض، الذي يتزامن مع العطلة المدرسية. وفي هذا الصدد، دعا السيد لوليدي إلى إيلاء الدعم الكافي للحرفيين على شاكلة جمعيات وتعاونيات الصناعة التقليدية التي تستفيد من اهتمام خاص من طرف الوزارة الوصية، وتنظيم معارض تتزامن مع فترات العطل لاستقطاب السياح الأجانب. وإذا كان معظم الصناع التقليديين قد تلقوا فنون النسيج على يد آبائهم أو معلميهم، فقد برز في الآونة الأخيرة، جيل جديد تلقى التكوين داخل مراكز متخصصة تابعة لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، تماشيا مع استراتيجية الوزارة الوصية الرامية إلى ضمان استدامة المهن التقليدية.
ويمكن للزائر أن يطلع على مهنة تقليدية متصلة بالخشب معروضة بمنطقة النسيج التي تعرض تقنيات تقليدية وأصيلة لم تتغير منذ سنوات، وتؤشر على أصالة الحضارة المغربية وإرادة المغاربة في صون هذا الإرث التاريخي ونقله إلى الأجيال الصاعدة. وتتطلب مهن النسيج حيزا وافرا من الزمن والمهارة والصبر، قصد التمكن من بسط الخيوط بشكل متناسق على طول السلسلة المكونة للنسيج. ويتم عرض مجموعة متنوعة من المنتوجات التي يصنعها النساج وفقا للاستعمال، بدءا من الشالات والأوشحة والأقمشة ومفارش المائدة وملاءات السرير والستائر وحقائب اليد وقطع من النسيج لصنع الملابس التقليدية والجلابيب وغيرها. وتتناسب هذه المنتوجات مع جميع الميزانيات وتتلاءم مع مختلف الأذواق المتنوعة للزبناء.
وتسعى الدورة السادسة للأسبوع الوطني للصناعة التقليدية، التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، إلى إرساء علامة تجارية للصناعة التقليدية المغربية وجعل هذه التظاهرة فضاء رئيسيا لالتقاء الصناع التقليديين الذين يرغبون في تثمين إبداعاتهم والاطلاع على الاتجاهات السائدة في المجال وإيجاد منافذ جديدة وتسويق المنتجات مع الحفاظ على مداخيل الصناع والرفع منها.
وأضحى هذا الموعد، المنظم بمبادرة من وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي بشراكة مع دار الصانع، يجمع كافة جهات المغرب للاحتفاء بالحرفيين الموهوبين الذين يستوحون أشكال وألوان أعمالهم من أعماق التقاليد والعادات التي تتميز بها كل جهة من جهات المملكة.
وتعد الصناعة التقليدية من بين القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ذات الأهمية البالغة للاقتصاد الوطني، والتي تمكن من خلق قيمة مضافة وفرص عمل تشمل مليونا و130 ألف مشتغل بالقطاع، برقم معاملات يتجاوز 73 مليار درهم سنويا.
وتتميز دورة هذه السنة بتبني مفهوم جديد يقوم على توزيع موضوعاتي جديد لعشر حرف تقليدية، ودعوة ألف و200 عارض من صناع تقليديين وتعاونيات ومقاولات تنتمي إلى الجهات ال12 للمملكة، إلى فضاء عرض تبلغ مساحته 50 ألف متر مربع.
ويتضمن برنامج دورة هذه السنة ورشات تكوينية مخصصة للصناع التقليديين حول التسويق وتقنيات البيع وإجراءات الجمارك المتعلقة بالتصدير والتربية المالية بشراكة مع بنك المغرب.
وتعرف الدورة إقامة جناح مخصص للحفاظ على الحرف المهددة بالانقراض وتمديد مدة العرض من أسبوع إلى أسبوعين ومشاركة عدد من البلدان الصديقة كضيوف شرف، وهي تونس وموريتانيا والشيلي وإندونيسيا والهند.