تصاعدت حدة الاحتجاجات الشعبية بلبنان، فيما تتواصل الدعوات للتظاهر اليوم احتجاجا على تردي الوضعين الاقتصادي والمالي وتنديدا بسياسة الحكومة الضريبية.
ويشهد لبنان مظاهرات اجتماعية شعبية و صفت بغير المسبوقة بعد فقدان اللبنانيين ثقتهم في الحكومة وقدرتها على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، في وقت تواصل فيه مختلف المكونات السياسية مشاورات مكثفة لتلبية مطالب المحتجين والخروج بالبلاد من أزمته الراهنة.
ويتدفق الالاف من المواطنين منذ اندلاع الاحتجاجات مساء الخميس الماضي، على ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت ومختلف المدن والمناطق للتنديد بارتفاع تكاليف المعيشة وخطط الحكومة لفرض ضرائب جديدة، منها رسوم على المكالمات الصوتية عبر تطبيق "واتساب"، وهي الخطوة التي تراجعت عنها السلطات سريعا بعد تفجر احتجاجات الشارع اللبناني..
ومع تصاعد المظاهرات الشعبية تعالت أصوات المحتجين لتتطور وترفع سقف مطالبهم من إلغاء الضرائب الجديدة على تطبيقات الاتصال الإلكترونية إلى المطالبة باستقالة الحكومة وإسقاط النظام وإنهاء المحاصصة الطائفية.
ويخشى المراقبون أن يزداد الوضع الاقتصادي الصعب الذي عم جميع القطاعات الحيوية، سوءا مع جمود الحركة التجارية تزامنا مع أيام المظاهرات، وبعد إعلان جمعية المصارف اللبنانية إغلاق أبوابها على خلفية الأحداث التي تشهدها البلاد، في وقت يشهد فيه الوضع المالي شح السيولة المالية.
وقد ظهرت الأزمة الراهنة مؤخرا بشكل جلي بعد تجدد الاحتجاجات في قطاع المحروقات، مرورا بشح الدولار واحتجاج أصحاب المخابز والكيفية التي تعاملت بها السلطات اللبنانية مع آفة الحرائق، وصولا إلى تفجر غضب الشارع مع توجه الحكومة لفرض ضرائب غير مسبوقة تطال الاتصالات المجانية.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي في معهد التمويل الدولي، غربيس ايراديان، إن تأخر الحكومة في إطلاق تدابير واصلاحات هيكلية عاجلة، سيؤدي إلى انكماش الاقتصاد اللبناني.
وأوضح غربيس، في تصريح صحفي، أن تأخر الحكومة في إجراء هذه الإصلاحات، بما فيها رفع ضريبة القيمة المضافة على السلع الفاخرة ورفع ضريبة الاستهلاك على البنزين وإقرار مراسيم لمحاربة التهرب الضريبي وسد عجز الكهرباء، سيؤدي إلى إحباط المستثمرين الأجانب، وإلى مزيد من التأجيل في صرف أموال "سيدر" الدولي.
وأمام هذا الوضع المشحون، لم يسلم المشهد السياسي من نيران الاحتجاجات الشعبية، حيث أدى تفاقم الاوضاع، إلى خروج رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بتصريح ، مساء الجمعة ، أمهل من خلاله شركائه السياسيين مدة 72 ساعة لتقديم حلول للإصلاح الاقتصادي والاستجابة للمطالب الشعبية.
وقد ازداد الوضع ضبابية بعد خرجة إعلامية، مساء السبت، لرئيس حزب " القوات اللبنانية" سمير جعجع ، بعثرت أوراق الحكومة ومعها المشهد السياسي برمته، أعلن خلالها استقالة وزرائه من الحكومة، واصفا التحديات التي تواجهها البلاد بأنها "غير مسبوقة".
وقال جعجع خلال مؤتمر صحافي شمال بيروت، إن حزبه لم يلمس أي نية جدية من المسؤولين لمعالجة الأزمات"، مبرزا أن الحزب ليست لديه أية ثقة بقدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات.
وفي سياق متصل، دعا جعجع الحريري لتشكيل حكومة جديدة، مشددا على صيغة "حكومة مختلفة تماما لأن الأحداث المتلاحقة "أثبتت أن الحكومة (الحالية) لا تستطيع فعل شيء".
من جانبه، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، إنه "لم يعتد الهروب إلى الأمام"، موضحا أن الاقتراحات التي قدمها لحلحلة الوضع تعد بمثابة "مدخل لحل الأزمة".
وكان وزير الصناعة اللبناني وائل أبو فاعور قال، في وقت سابق أمس ، إن بقاء وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي في الحكومة مشروط بتنفيذ الإصلاحات، مضيفا أنهما لم يقدما استقالاتهما لأن ذلك سيطيح بكل محاولات الإنقاذ في ظل الوضع الصعب الذي تمر به البلاد.
وحسب أبو فاعور، فإن قرار عدم الاستقالة جاء بعدما "أجرت مكونات الحزب لمشاورات مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وعدة فرقاء آخرين".
وفي خظم ذلك، ولاحتواء الأزمة، رفعت مختلف القوى السياسية اللبنانية، منسوب اجتماعاتها ومشاوراتها في أفق بلورة مشروع "ورقة إنقاذ اقتصادية" تحظى بإجماع السياسيين، بما يلبي مطالب المحتجين ويخرج البلاد من الأزمة المتفاقمة.
وفي هذا الإطار، عقد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، أمس اجتماعا وزاريا مصغرا بمشاركة وزراء من "حركة أمل" و"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" و"تيار المردة" ومستشارين للحريري، لبحث الورقة الاقتصادية التي من المتوقع أن تطرح على طاولة مجلس الوزراء الذي ينعقد اليوم بمقر القصر الرئاسي.
وبحسب تسريبات لوسائل إعلام محلية، فإن هذه الورقة الإصلاحية الهادفة إلى تهدئة غضب الشارع، تتضمن خفض رواتب جميع الوزراء، وإلغاء كل المخصصات المالية للنواب اللبنانيين، وخفض رواتب المدراء العامين بما لا يتجاوز 8 ملايين ليرة (1500 ليرة تساوي دولار واحد)، ورفع رواتب القضاة إلى 15 مليون ليرة كحد أقصى، وفرض ضريبة على المصارف وشركات التأمين بنسبة 25 بالمائة.
كما تنص المسودة على وضع حد أقصى لمخصصات السفر إلى الخارج بمعدل 3 آلاف دولار مع موافقة مسبقة من مجلس الوزراء، والاتفاق على وضع سقف لرواتب العسكريين لا يتجاوز رواتب الوزراء، بالإضافة إلى دعم الصناعات المحلية ورفع الضريبة على الواردات التي لها بديل محلي وتفعيل هيئة الرقابة الاقتصادية، وإلغاء جميع ما تم خفضه من معاشات التقاعد للجيش والقوى الأمنية، إلى جانب مساهمة المصارف لإنشاء معامل الكهرباء ومعامل فرز النفايات والمحارق الصحية.
وأمام المشهد العام بلبنان الموسوم بالضبابية، تتجه أنظار الشارع اللبناني، مساء اليوم موازاة مع انتهاء المهلة التي حددها الحريري ل "شركائه" في السلطة، إلى ما ستؤول إليه جلسة مجلس الوزراء من نتائج وتداعياتها على الازمات الداخلية التي يواجهها لبنان.
وكانت التحركات الشعبية قد بدأت الخميس بعد ساعات من تأكيد وزير الاعلام جمال الجراح اقرار الحكومة فرض رسوم على القيمة المضافة (على السلع) والتي ستطبق على مرحلتين، الأولى بنسبة 2 في المائة عام 2021 ، و2 بالمائة إضافية عام 2022، لتصبح نسبة الضريبة الإجمالية المطبقة 15 بالمائة، مقابل 11 في المائة المطبقة حاليا على المكالمات الخاصة بالتطبيقات على الهواتف النقالة.
ويعاني لبنان، الذي يقدر دينه بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية وترهل بنياته التحتية.
كما يواجه الاقتصاد اللبناني تحديات اقتصادية، تتمثل في ارتباك سوق الصرف المحلية، وتذبذب وفرة الدولار، وارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء.