في خطوة أحدثت ارتباكاً شديداً في الأوساط الرسمية الجزائرية، ألقت تصريحات الرئيس اللبناني جوزيف عون بظلال من الحرج على زيارته، حينما اختار من قلب الجزائر العاصمة أن يشيد بالدور التاريخي والمحوري للمغرب في دعم استقرار لبنان.
ففيما كشفت مصادر مطلعة عن غضب مكتوم في كواليس قصر المرادية، جاءت الإشادة بالرباط، بوصفها بلدا شقيقا وفاعلا أساسيا في اتفاق الطائف، لتضع البروتوكول الجزائري في مأزق حقيقي، إذ بدا واضحا أن الخطاب لم يكن مؤطرا بالشكل الذي يراعي حساسية القطيعة الدبلوماسية مع المغرب.
هذا الإرباك دفع وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية إلى ممارسة تعتيم كامل على تلك الفقرة، في محاولة لاحتواء موقف دبلوماسي لم يكن في الحسبان.
لكن المشهد لا يتوقف عند حدود الارتباك البروتوكولي، بل يفتح الباب واسعاً أمام قراءة أعمق لدوافع الضيف ورسائله المضمرة، فتصريح كهذا ليس أبداً زلة لسان، بل هو مناورة دبلوماسية محسوبة بدقة، تهدف إلى إيصال رسائل متعددة عبر الأثير الجزائري نفسه.
إن أولى هذه الرسائل هي تأكيد سياسة النأي بالنفس اللبنانية؛ فلبنان المثقل بأزماته لا يملك رفاهية الاصطفاف في محور ضد آخر، وكأن رئيسه يقول لمضيفيه إن تقدير الدعم الجزائري لا يعني بالضرورة استعداء الأصدقاء التاريخيين الآخرين.
ومن هذا المنطلق، فإن الإشارة إلى اتفاق الطائف وذكر المغرب والمملكة العربية السعودية معا لم يكن اعتباطياً، بل كان لفتة ذكية وموجهة بعناية نحو دول الخليج العربي، وعلى رأسها الرياض.
إنها رسالة تذكير بأن لبنان لم ينسَ من وقف إلى جانبه في أحلك الظروف، وفيها محاولة لإعادة ترميم الثقة مع عمقه العربي والخليجي الذي يمثل شريانا اقتصاديا وسياسيا لا غنى عنه.
ولا يمكن إغفال البعد اللبناني الداخلي لهذه التصريحات، فالسياسة الخارجية لأي رئيس لبناني هي في جوهرها انعكاس للتوازنات الهشة بين القوى السياسية في الداخل.
وبهذه الإشادة، يبعث المسؤول اللبناني رسالة طمأنة للقوى السياسية اللبنانية التي تدور في الفلك الخليجي والغربي، مؤكداً أنه يسعى للحفاظ على مسافة واحدة من الجميع.
لذى فإن كلام لرئيس اللبناني لم يكن مجرد تحية عابرة، بل كان درسا في كيفية استخدام منصة الخصم لتأكيد حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها، وتوجيه رسائل توازن دقيقة وحساسة إلى كل الأطراف المعنية إقليميا ومحليا.