السعيد: إبتكار نموذج تنموي جديد يستلزم أحزابا سياسية أكثر فعالية و حزم في تدبير المرحلة

عرف المغرب منذ فجر الاستقلال حياة سياسية صاخبة، شكلت الأحزاب السياسية فيها الركيزة الأساسية في عملية الدمقرطة و التنمية المجالية، نظرا لما كانت تعرف من قوة القرار ومصداقية الفعل لدى المواطن، لكن في السنوات الاخيرة يبدوا ان الوضع تغير قليلا نحو منحى أخر، جعل احزاب عديدة تنظر للتعديلات الحكومية كمناسبة لتمكين المناصب، في حين ان جوهر التعديل تقييم الاداء و تجويده و تطعيمه من الاختلالات, لكن سوء فهم اهذاف التعديل ساهم في تفشي الهتمام بالمواقع الحكومية دون الوعي بالمسؤولية التي لطالما حث جلالته على الإيمان بها

احزاب كثيرة أخذ الضعف والوهن يدب في هياكلها وإذا كانت أسباب ذلك متعددة، فإن أهمها، على الأرجح، تتعلق بتعطيل منهجية العمل الديمقراطي داخلها، اقصد هيمنة نخب سياسية عمرت لعقود على حساب نخب وافدة جديدة. و بالتالي تمكين الشباب و تجديد الوجوه اصبح محط نقاش طويل, وهو الأمر الذي ظلت عليه فديمومة الحزب و قوته لا تكتمل الا إذا كانت تجعل من الديمقراطية الداخلية منهجية لا محيد عنها .وبتعبير آخر، لا يمكن للأحزاب أن تتبنى قضية الديمقراطية إذا كانت هذه الأخيرة غائبة أو ضعيفة الوجود على مستوى الهياكل الداخلية للأحزاب.

جاء تقرير المجلس الأعلى للحسابات في سياق يستلزم ربط المسؤولية بالمحاسبة, كذلك حالة من الأمل المرتبط بفعالية الحكومة الجديدة المنقحة بالكفاءات، ايضا أفاق المرحلة المقبلة و تحديات تفعيل الأوراش التنموية لاسيما النموذج التنموي الجديد الذي قدم هندسته جلالة الملك نصره الله, كلها رهانات تجعل الأحزاب السياسية ملزمة بأن تكون الأدات الفعالة في تدبير المرحلة و حلقة الوصل بين احياجات و تطلعات المواطن في مختلف الجهات بالعمل الحكومي و الإداري

ان نسبة الوعي بالمسؤولية و جدية المرحلة لدى بعض الأحزاب لم تنضج بالقدر الذي يتماشى و خطابات جلالة الملك لاسيما خطاب العرش الذي قدم تقييم للوضعية الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد، فغياب الإرادة السياسية لدى بعض السياسيين في مسايرة توجه الدولة المبني على الحكامة المالية و ترشيد النفقات العمومية، و الانصات للمواطن و الاخد بمطالبه. جميعها اشكالات لازالت عالقة, الشيء الذي يجعل من العمل السياسي لازال رغم محاولات اصلاحه يبقى متعثر لا من حيث تخلي الأحزاب كثيرة عن أدوارها وإخفاقها في تحقيق التواصل مع المواطن بغية تجويد نمط عيشه، و لا من حيث مساهمتها بشكل كبير في تكريس الهوة بينها وبين المواطن ، وبالتالي أنتجت مساحة لعزوف فئات عن ولوج الاحزاب السياسية و الانخراط فيها نظرا ايضا لضعف التحفيز و الفعالية، فالمواطن اليوم نشعر انه بدأ يفقد الثقة في بعض الأحزاب التي اناخبها في سياق وطني و إقليمي للخروج من الأزمة

الواقع ان أحزاب عديدة تبقى ضعيفة جدا في تأطير المواطن ، إن لم نقل مناسبتيه ، مرتبطة بالاستحقاقات، هذا خطأ يجب القطع مع هذا التوجه لانه لايخدمها من جهة و لا يخدم تنمية البلاد من جهة ثانية, لكي لا تصبح عدد من هذه الأحزاب مجرد مؤسسات منغلقة تغيب فيها مظاهر الشفافية و الممارسة الديمقراطية المطلوبة داخلها

الواقع ان العديد من الأحزاب لم تستطع تطوير أدائها, بل إن بعضها ظلت تعيش ثمة أزمة مؤسسية على مستوى تدبير اختلافاتها الداخلية و بلورة وظائفها الاجتماعية و السياسية و التربوية المناط بها تعزيز و توطيد دعائم الشكل الحديث للدولة ولتلك العوامل فقد أدى ذلك لاحقا إلى بروز ظاهرة الانشقاقات داخل بعض الأحزاب و ضعف اكثرها

هناك أحزاب عديدة لازالت تكرس لنمط الاستفادة والاتكالية على خزينة الدولة مما يجعلها مستثمرة أكثر منها متطوعة في بلوغ أدوارها الوطنية و هذا ما يفسر حالة الارتباك العميق الذي تتخبط فيه داخليا حيث لازالت تعرف انغلاق بنيتها التنظيمية وعدم انفتاحها ليس فقط على المجتمع وطبيعة التحولات التي يعرفها، وإنما على النقاشات الداخلية، سواء كانت فردية أو جماعية، وهي الظاهرة التي ارتبط بها منطق الإقصاء والإقصاء المضاد، الأمر الذي يترك تأثيرا سلبيا على إنتاج الأفكار والمفاهيم، ونتيجة لكل هاته الأسباب وجب على الفاعل الحزبي مراجعة موقع حزبه داخل الحقل السياسي و جعله منسجم مع التغيرات التي تعرفها الدولة بما فيها التفعيل السليم للجهوية المتقدمة و التفكير في طرق انزال النموذج التنموي الجديد و الحد من الفوارق الاجتماعية و غيرها من المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية ببلدنا