صراع النفوذ واستقطاب الجماعات الإرهابية في "الساحل" يهدد "الإيكواس" بالتفكك
شكل ملف خروج ثلاث دول من مجموعة "الإيكواس" الإفريقية، فرصة لتسليط الضوء على واقع الحركات الإرهابية في منطقة ساحل الصحراء وغرب أفريقيا؛ الأمر الذي جعل منها بؤرة عالمية للإرهاب، أمام تغافل دول مجاورة له.
وفي هذا الإطار، أعلنت أنظمة "مالي" و"بوركينا فاسو" و"النيجر" أمس الأحد، انسحابها الفوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، بذريعة أنها لا تحظى بمساعدة من بلدان المجموعة، في حربها الوجودية ضد الإرهاب وانعدام الأمن.
فالدول الثلاث تعاني من تحديات "أمنية" و"اقتصادية"واضطرابات "سياسية"، كما تشهد نشاطا للحركات الجهادية؛ غير أنها وجدت نفسها أمام مواجهة تنظيم "الدول" و"القاعدة" لوحدها؛ خصوصا بعد توتر علاقتها مع الـ"إيكواس"، جراء إزاحة الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
وقد شكلت هته الأزمة نقطة خلاف بين المجموعة والحكومات الانتقالية لـ"مالي" و"بوركينا فاسو" و"النيجر"؛ ما من شأنه تقويض أهداف المنظمة وإرباك أجندتها وتهديدها بالتفكك.
فهناك مجموعة من المحددات دفعت إلى تأزم الوضع، وهو الصراع "الفرنسي" و"الروسي" حول النفوذ؛ إذ أن فرنسا تضغط على دول "الإيكواس" خشية امتداد موجة الانقلابات لنفوذها في المجموعة، وخسارة حلفاء جدد.
غير أن الأطماع الروسيا تحاول إبتلاع مساحات شاسعة من النفوذ؛ مما أدى إلى تأزم الوضع وتعقده جراء صراع القوى الكبرى؛ ما حال دون انخراط دول الساحل في مكافحة الإرهاب، وظل يتسع من خلف الستار أمام أنظار "الجزائر" ويمر عبر حدودها.
لم تكن "إيكواس" وحدها ساحة للصراع "الروسي-الفرنسي" حول النفوذ، بل كذلك مجموعة دول الساحل الخمس التي أسست برعاية فرنسية في 2014، من أجل إحباط مشاريع التمرد ضد النفوذ الفرنسي، تحت عباءة مكافحة الإرهاب.
وبعد اتساع موجة الإنقلابات، والتهديد بعمليات عسكرية لاحباطها بالوكالة عن فرنسا، من قبل مجموعة الـ"إيكواس"، وعزل تلك الدول المتمردة عن تحالف دول الساحل الخمس؛ فإذ بـ"باماكو" و"النيجر" و"بوركينا فاسو"، تؤسس تحالفا جديدا لعزل "باريس" ودول الساحل الخمس.
وفي هذا السياق، جاء البيان المشترك الذي بثته وسائل الإعلام الرسمية في البلدان الثلاثة؛ بأن قادة "مالي" و"النيجر" و"بوركينا فاسو"، قرروا الانسحاب الفوري من إيكواس استجابة لتوقعات وتطلعات شعوبها.
وصرح "الكولونيل أمادو عبد الرحمن" المتحدث باسم المجلس العسكري بـ"النيجر"، وفقا لما أوردته وكالة "رويترز" الأمريكية خلال إعلان البيان؛ أن الـ"إيكواس" حادت عن المثُل العليا لآبائها المؤسسين وروح الوحدة الأفريقية.
وخلال نفس الأسبوع، حملت حكومة مالي "الجزائر" مسؤولية تدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل، واستقطاب الجماعات الإرهابية، من تنظيم "الدولة" و"القاعدة"، واحتضان جماعات مسلحة.
وتجدر الإشارة أن الجزائر دولة وظيفة لتصريف السياسية الفرنسية في أفريقيا، وهي من تسمح بالجماعات المسلحة في المنطقة، بغيت منح الشرعية للفرنسيين في أن تطأ قدمهم منطقة الساحل، قصد بسط سيطرتها.
وفي السياق ذاته؛ مرت أكثر من ست سنوات على طلب المغرب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، غير أن المجموعة قبلت مبدئيا دون إعطائه الطابع الرسمي؛ في ظل تحفظ بعض الدول المناوئة للوحدة الترابية للمغرب بدعم من الجزائر.
وقد تمت عرقلة انضمام المغرب إلى مجموعة "الإيكواس"، نتيجة لتوجس النظام "الجزائري" مخافة العرض المغربي لصالح المجموعة، والتي تحمل أبعاد أمنية بالدرجة الأولى، فضلا عن الامتيازات التجارية والفرص التي ستتاح لدول الغرب الأفريقي.
ومن أهم تلك الفرض التي يسعى المغرب إلى تحقيقها، تشييد أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا، والخطوط التجارية بين دول المنطقة، وتنمية وتأهيل منطقة "الغرب" و"الساحل" في الصحرء، وتطهير المنطقة من مخاطر الإرهاب، وتعزيز الإنذماج بين دول المنطقة.
وقد ظلت الجزائر تحاول إقناع حلفائها داخل مجموعة "إيكواس"، بالتريث قبل قبول طلب المغرب، من أجل الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وتعد الديون إحدى الوسائل الجزائرية من أجل شراء ذمم الأمم الأفريقية الضغط عليها؛ من خلال التشطيب على ديون تلك الدول، قصد التعرض للمصالح "المغربية-الأفريقية".
وتعد المجموعة التي أسست عام 1975، تكتل إقليمي اقتصادي مكون من 15 دولة في منطقة غرب أفريقيا؛ كما تعمل "الإيكواس" أيضًا كقوة لحفظ السلام في دول المنطقة.
فبعد أن كان من المفترض في التحالف الإقتصادي أداء هذا الدور، قصد التعاطي مع المخاطر الأمنية والإتاحة فرص إقتصادية؛ صار معرضا لتفكك في ظل عرقلة الجزائر للمساعي المغربية وتأميم الطريق أمام فرنسا.
الأمر الذي جعل من المنطقة بؤرة عالمية جديدة للإرهاب، ما ظفع المغرب إلى البحث عن وسائل بديلة لكونه يدرك حجم التحديات، من أجل مواجهة المخاطر الأمنية المشتركة بين دول ساحل الصحراء والغرب الأفريقي.
ولكون أن المغرب استشرف وتنبأ بمستقبل المنطقة، مدّ يده إلى الجزائر من أجل مواجهة المصير المشترك للبلدين، لكن دون جدوى؛ الأمر الذي تحتم معه إطلاق مبادرة ل"تعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي".
المبادرة الملكية لم تقتصر على البعد العسكري والأمني فحسب، بل من خلال تأهيل دول المنطقة بالبنية التحتية الأساسية، من أجل جعل منطقة الساحل، قطبا عالميا يحظي بمؤهلات عالمية، تعود بمناقع جمه على شعوب تلك الدول؛ كون أن الاستراتيجية المغربية، ترتكز على مقاربة أمنية وأخرى تنموية.
الاّ أن الجزائر عوض أن تنخرط في هذا المشروع السامي، إرتأت التعرض له وإفشاله، عبر الإبتزاز وشراء الذمم، بل إنها ذهبت مجددا إلى تهديد الدول التي تسعى إلى الانخراط في المشروع، من أجل مكافحة الإرهاب وتأهيل المنطقة؛ عبر إلغاء السيولة المالية الممنوحة، في ظل تفاقم الوضع الأمني.
حيث أن الجزائري قررت في 31 دجنبر الماضي، إقفال حسابات القروض الممنوحة لـ"مالي" و"النيجر" و"بوركينا فاسو" و"تشاد"؛ وغيرهم من الدول لأسباب جيوسياسية.
ويعود السبب في ذلك إلى كون أن تلك الدول، انضمت إلى اجتماع التنسيق بشأن تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي في مراكش، وأكدت على أهمية المبادرة الملكية.
لم تقف جهود المغرب عند هذا الحد من أجل مواجهة الإرهاب، بل ذهب إلى حشد المجتمع الدولي من أجل استئصال الإرهاب من منطقة الساحل؛ من بوابة "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب"، التي أكدت بأن الساحل أضحت بؤرة عالمية للإرهاب.
وقد حملت الحكومة المالية السلطات الجزائرية المسؤولية، حول تدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل، واستقطاب الجماعة الإرهابية، من تنظيم "الدولة" و"القاعدة"، واحتضان جماعات مسلحة؛ قبل أن تنسحب من "الإيكواس"، وهو المبرر ذاته الذي جاء في بيان الانسحاب.