الجفاف يكشف عن أزمة مائية حادة بعد الأمطار غير المتساوية وتبعاتها على الزراعة والاقتصاد

اضطرت أراضي بلادنا إلى الانتظار حتى حلول يناير الجاري، لتنعم بأمطار الخير عليها. ومع ذلك يكشف الجفاف عن تدرج في ندرة المياه من الشمال الى الجنوب، بعدما كانت في الأصل بعض مناطق المملكة تعاني من جفاف يائس.

 

أزمة حقيقية

في 5 يناير الجاري، نشرت مديرية الأرصاد الجوية أرقاما لهطول الأمطار على مدى 24 ساعة، بحيث شهدت مدينة افران 20 ملم، وفاس 17 ملم، وسطات12 ملم ،ومكناس 11 ملم، و1 ملم فقط في وجدة، مراكش، والدار البيضاء كاشفة عن أزمة حقيقية.

في حين كان منتظرًا بفارغ الصبر هطول الأمطار في بعض المناطق الميتة لتخرج على الاقل من الوضع الحرج الذي تعيشه، مثل سد المسيرة، الذي يعتبر ثاني أكبر سد في المغرب. هذا الخزان الاستراتيجي يحتوي الأن على نسبة لم يشدها من قبل منذ تأسيسه، قدرت بـ 1% من حجمه الإجمالي البالغ 2.6 مليار متر مكعب.

هذا السد أساسي لتأمين مياه جهة الدار البيضاء سطات، العاصمة الاقتصادية للمغرب وأكثره تعدادا للسكان. بحيث لو ما تم تأمين احتياجات الجهة كانت ستكون عواقب كارثية، ليس فقط على مياه الشرب، وانما على الزراعة، المصانع... بالاضافة الى منطقة دكالة، حيث تقع مصفاة شركة  (كوسومار)،  المنتجة الرئيسية للسكر من الشمندر.

 

الفلاحة  المغربية تحت الضغط

وضعت ندرة المياه الفلاحة المغربية تحت الضغط في منطقة مكناس، تعيش أراضيها حاليا اتساعًا في خراب حقول الشعير، التي لا زالت في مرحلة نموها، تحولت إلى اللون البني، مظهرة علامات الجفاف.

بالرغم من المحاولات الاستباقية التي قام بها المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) ، بإطلاق مبادرة تهدف إلى تعزيز تقنيات زراعية جديدة متكيفة مع المناطق القاحلة، تم تطويرها من قبل مديرية الفلاحة في سطات في عام 2018.

ويشار، إلى أن مستوى المياه في الآبار انخفض من 24 إلى 36 مترًا، وتقلصت معدلات الاستنزاف بشكل كبير. وهي حالة لم تشهدها البلاد منذ عام 1994، وستستغرق إعادة شحن المياه الجوفية سنوات لتستعيد مستواها بشرط أن تستمر الأمطار وتقتصر فقط على عمليات السحب المائي.

 

جدير بالذكر، على أن الزراعة في الحقول المكشوفة تطورت في مدينة مكناس، وبشكل خاص زراعة البصل والبطاطس. بحيث يشير مارسيل كوبر وفرانسوا مول، خبيران فرنسيان متخصصان في دراسة إدارة المياه الجوفية، إلى الربحية العالية جداً لهذه المحاصيل المعتمدة على المياه الجوفية، مما يعود بالفائدة على المستثمرين الذين يستطيعون حماية معاشاتهم التقاعدية.

 

تأثيرات خارجية

يواجه المغرب تحديات مناخية في السنوات الأخيرة، خاصة عندما أدت حركة إعصار جزر الأزور البرتغالية نحو المحيط الأطلسي، إلى تحويل الكتل الهوائية المحيطية نحو أوروبا، مما تسبب في فيضانات في شمال فرنسا ونقص الأمطار في منطقة المغرب الكبير.

ولمواجهة الجفاف، اعتمد العديد من الفلاحين المغاربة على نطاق واسع الري بالتنقيط المحلي. ومع ذلك، تتطلب طريقة الري هذه إدارة حذرة لتجنب هدر المياه وإساءة استخدامها لمحاصيل التصدير.

والعديد من الخبراء في الآونة الأخيرة، يشجعون الفلاحين على اعتماد الري بالتنقيط مع تقديم نصائح قيمة بشأن توفير المياه والحفاظ عليها.

وتعد البدائل الزراعبة مهمة لتدارك انخفاض معدلات هطول الأمطار، على سبيل المثال لا الحصر تحلية مياه البحر، التي من الممكن أن تكون بديلًا رحيما لتزويد المدن بمياه الشرب والنهوض بالاقتصاد الوطني، في ظل ارتفاع تكلفة الطاقة والموارد الهيدروكربونية.