أعيد الجدل حول نجاعة سياسات التشغيل الحكومية إلى الواجهة من داخل مؤسسة جامعية، بعدما تحوّل نقاش أكاديمي حول “مهن المستقبل” إلى منصة لانتقادات حادة طالت برامج رسمية يفترض أنها تشكل عماد استراتيجية الدولة في مجال الشغل، في مشهد عكس بوضوح حجم التوتر داخل قطاع التشغيل نفسه، وعمق الاختلاف بين كاتب الدولة المكلف بالتشغيل هشام الصابري والوزير الوصي يونس السكوري، علما أن كاتب الدولة هو برلماني سابق بالجهة.
فخلال ماستر كلاس احتضنته كلية الاقتصاد والتدبير ببني ملال، التابعة لجامعة السلطان مولاي سليمان، بشراكة مع وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، قدّم الصابري عرضاً تفاعلياً حول تحولات سوق الشغل، غير أن مداخلته سرعان ما اتخذت منحى نقدياً صريحاً، تجاوز الطابع التقني والأكاديمي، ليطال جوهر البرامج الحكومية المعتمدة في مجال التشغيل.
واعتبر كاتب الدولة أن برامج من قبيل “أوراش” و“تدرج” لا تفضي إلى خلق فرص شغل حقيقية، بل تقوم، حسب تعبيره، على حلول ظرفية لا تضمن إدماجاً مهنياً مستداماً، موضحاً أن منطق إحداث جمعيات مؤقتة مقابل دعم مالي محدود لا يمكن أن يشكل بديلاً عن سياسات عمومية قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد وخلق مناصب شغل قارة لفائدة الشباب.
وفي لهجة بدت أقرب إلى خطاب المعارضة، شدد الصابري على أن الأولوية يجب أن تُمنح لدعم إنشاء مقاولات منتِجة، بدل الاستمرار في برامج قال إنها “تسكت بها فئات معينة” دون أفق واضح، وتنتهي، في أفضل الحالات، بتسجيل المستفيدين في منظومة الضمان الاجتماعي دون أي ضمان لاستمرارية الشغل، معتبراً أن هذه البرامج “فاشلة في صيغتها الحالية”.
وأوضح المسؤول الحكومي أن ما يجري تنفيذه إلى اليوم لا يمكن تصنيفه ضمن برامج للتشغيل، بقدر ما هو برامج للتكوين، مستشهداً ببرنامج “تدرج” وغيره، حيث تضطلع الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات بدور التكوين، إلى جانب التكوين المهني، وهو ما اعتبره انحرافاً عن الدور الأصلي لوزارة التشغيل.
وفي هذا السياق، دعا الصابري إلى إعادة توزيع الأدوار بين القطاعات الحكومية، معتبراً أن مهمة وزارة التشغيل يجب أن تتركز على إحداث فرص الشغل، في حين يظل التكوين من اختصاص التعليم العالي والتكوين المهني والمعاهد المتخصصة، محذراً من استمرار تداخل الاختصاصات وما يترتب عنه من ضعف في النجاعة وغياب للانسجام.
كما توقف كاتب الدولة عند الكلفة المالية لبعض برامج التكوين، مشيراً إلى أن الدولة تتحمل ما يفوق 8000 درهم عن كل مستفيد لفائدة “أنابيك”، ونحو 5000 درهم في إطار برامج مثل “تدرج”، معتبراً أن تجميع هذه الموارد كان من شأنه تمويل تكوين ذي جودة أعلى وإخراج كفاءات تستجيب فعلياً لحاجيات الاقتصاد الوطني.
وختم الصابري مداخلته بالتأكيد على أن التكوين، رغم أهميته، “لم يصل بعد إلى التشغيل الفعلي”، مشدداً على أن ورش الشغل يظل مسؤولية مباشرة للقطاع الذي ينتمي إليه، لكنه مكلف تحديداً بملف الشغل، ما يستدعي، بحسبه، مراجعة شاملة للسياسات المعتمدة وربطها بشكل أوضح بإحداث مناصب شغل قارة ومستدامة، في موقف يعكس بجلاء هشاشة الانسجام داخل تدبير أحد أكثر الملفات الاجتماعية حساسية.