استقبلت جبهة البوليساريو وفدا يقدم نفسه بصفة “علماء دين من لبنان وسوريا”، في زيارة أثارت الكثير من علامات الاستفهام بالنظر إلى طبيعة الشخصيات المشاركة وخلفياتها الأيديولوجية.
فالوفد، الذي يضم ممثلين عن جمعية “الإصلاح والانتماء” إلى جانب شخصيات عشائرية من سوريا، جاء قادما من الجزائر نحو مخيمات تندوف فيما وصفته جبهة البوليساريو بأنه “زيارة تضامنية”.
غير أن تتبع منشورات بعض أعضاء الوفد، خاصة المدعو موسى الخلف، يكشف عن مواقف مؤيدة لمحور إيران حزب الله، بما يضع هذه الزيارة في سياق أوسع يتداخل فيه البعد الديني بالعشائري مع رهانات الجزائر والبوليساريو على إعادة تشكيل رواية جديدة لقضية باتت ملامحها الجيوسياسية محسومة دوليا.
ويعزز هذا التصور الشكوك حول احتمال توظيف هذه الزيارة كغطاء لحركة نفوذ إيراني داخل المنطقة، خصوصا بعد رصد الرباط سنة 2018 اتصالات بين حزب الله والبوليساريو انطلاقا من التراب الجزائري.
وفي هذا السياق، قال عبد النبي صبري، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق السويسي، خبير ومحلل سياسي، إن أول ما ينبغي مراعاته لقراءة خلفيات هذه الزيارة، هو أن “السياسة والحسابات العسكرية والاقتصادية والإعلامية في تندوف استنفدت”، وأن الجزائر بعدما جربت كل الأوراق، لم يبق لها في الوقت الميت سوى الاستعانة بمثل هؤلاء الذين لا يدركون حقيقة الوضع ولا المعطيات الأساسية.”
وانتقد صبري، في تصريح لـ “بلبريس”، ما يردده الوفد حول الشعب الصحراوي، متسائلا: هل يوجد أصلا شعب صحراوي في تيندوف أم مغاربة صحراويون محتجزون هناك؟ والباقي جيء به من كل فج عميق من فقراء إفريقيا وآسيا للمتاجرة بمآسيهم”.
وأضاف أن من يقدمون أنفسهم كعلماء كان عليهم أن يدركوا هذه الحقائق بدل “الزج بأنفسهم في إطارات مدفوعة بحسابات البترودولار.”
وتوقف صبري عند ادعاءات الاحتلال والتشريد منذ أكثر من خمسة عقود، قائلا إن السؤال المطروح هو: من جلب إلى تلك المخيمات؟ وهل كانت الصحراء أرضا خلاء حين احتلتها إسبانيا؟ مشيرا إلى أن محكمة العدل الدولية أكدت سنة 1975 أن المنطقة لم تكن بلا مالك وأن سكانها كانوا مرتبطين تاريخيا بالملكية المغربية، التي تعود جذورها لأكثر من 12 قرنا.
واعتبر المتحدث أن القرار الأممي رقم 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025 شكل محطة مفصلية، لأنه أنهى العديد من المصطلحات التي لم تعد موجودة إلا في مخيلة الخصوم الإعلامية، مؤكدا أن الأمم المتحدة باتت على قناعة تامة بطبيعة الحل الواقعي للنزاع.
وعلق صبري على محاولة الوفد تقديم نفسه كوفد عربي، متسائلا: من يقود هذا الوفد؟ هل هو وزير خارجية لبنان؟ سوريا؟ أم مجرد جماعات تعيش أحلك فتراتها بعدما حرمت من منابع الدولار وتبحث عن ملاذات جديدة؟.
وأضاف المتحدث أن الدول العربية التي افتتحت قنصليات في الأقاليم الجنوبية تعرف جيدا حقيقة هذا النزاع، وبالتالي فحديث الوفد عن تقاعس عربي يحمل في ذاته تناقضا صارخا.
وانتقد صبري توظيف البعد الديني والعشائري لخدمة أجندات سياسية، قائلا إن “العلماء الحقيقيين يتدخلون لتقريب النصوص الدينية التي تدعو للتعاون على البر والتقوى، لا للعدوان”، معتبرا أن ما يجري اليوم هو هزل حقيقيحين يصبح بعض “علماء آخر الزمان” شهود زور على واقع لا يعرفون معناه أو سياقه.
وختم صبري بالقول إن على من يدعون تمثيل الدين أن يجيبوا أولا عن سؤال شرعي أساسي: “ما موقف الشريعة من احتجاز أفراد جيء بهم من مناطق فقيرة وإجبارهم على حمل السلاح لزعزعة أمن دول ساعدتهم في أحلك فتراتهم؟ معتبرا أن لجوء البوليساريو والجزائر اليوم إلى البعد الديني والعشائري لم يعد سوى بحث عن بطولة مفقودة وذر للرماد في عيون من تبقى من المهرولين.