تحليل: ملف الصحراء في 2025..المغرب يفرض الحل ويتكرس كقوة إقليمية

في أفق نهاية سنة 2025، لم يعد ملف الصحراء المغربية مجرد قضية نزاع مدرج على أجندة الأمم المتحدة، بل تحوّل إلى عنوان مركزي لصعود المغرب كقوة إقليمية وازنة، قادرة على إعادة صياغة قواعد الاشتباك الدبلوماسي، وفرض تصورها للحل داخل منظومة دولية تعيش تحولات عميقة.

لقد كان هذا العام تتويجًا لمسار طويل من العمل الاستراتيجي، حيث انتقل المغرب من منطق الدفاع عن وحدته الترابية إلى منطق القيادة والحسم.

2025… سنة الانتقال من إدارة النزاع إلى أفق الحسم

 

تميّز عام 2025 بكونه لحظة فاصلة في المسار الأممي لقضية الصحراء، إذ لم يعد الخطاب الدولي يراوح بين “إيجاد حل” و”تدبير الخلاف”، بل أصبح يركّز بشكل صريح على تنزيل حل سياسي نهائي.

فقرار مجلس الأمن الصادر في 11 أكتوبر شكّل نقطة التحول الأبرز، حين أكد، بإجماع كامل، أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق.

إلا أن هذا الإجماع لم يكن تقنيا أو لغويا، بل سياسيا بامتياز، عكس اقتناع القوى الدولية المؤثرة بأن الزمن تجاوز الأطروحات الانفصالية، وأن ميزان القوة يميل بوضوح لصالح المقاربة المغربية.

المغرب من موقع الدفاع إلى موقع فرض الإطار السياسي

ما يميّز لحظة 2025 هو أن المغرب لم يعد يكتفي بطرح مبادرته كخيار من بين خيارات، بل بات يقدّمها كالإطار الوحيد للتفاوض.

فإعلان الملك محمد السادس عن تحيين مبادرة الحكم الذاتي وتقديمها بصيغة مفصلة للأمم المتحدة يعكس هذا التحول العميق.

فالدولة المغربية أصبحت تمسك بزمام المبادرة، وتحدد سقف النقاش وحدوده، مستندة إلى شرعية تاريخية، وقوة دبلوماسية، واستقرار مؤسساتي جعل منها فاعلًا موثوقًا في محيط إقليمي مضطرب.

هذا الانتقال من الدفاع إلى المبادرة يترجم بوضوح صعود المغرب كقوة إقليمية قادرة على إنتاج الحلول، لا انتظارها، وعلى تحويل قضاياه السيادية إلى عناصر قوة في علاقاته الدولية.

الاعترافات الدولية… من الدعم السياسي إلى التموقع السيادي

 

وخلال سنة 2025، بلغ الزخم الدولي الداعم لمغربية الصحراء مستوى غير مسبوق. أكثر من 120 دولة أصبحت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي الإطار الوحيد للحل، فيما تحولت الأقاليم الجنوبية إلى فضاء دبلوماسي نشط، بافتتاح ما يفوق 30 قنصلية في العيون والداخلةّ حيث هذا الحضور القنصلي لا يحمل فقط بعدًا رمزيًا، بل يعكس اعترافا عمليا بالسيادة المغربية، وترسيخا لواقع قانوني وسياسي جديد.

سحب دول مثل الباراغواي اعترافها بالكيان الوهمي، وإعلان دول أخرى نيتها فتح قنصليات بالصحراء، يؤكد أن الأطروحة الانفصالية تعيش عزلة متزايدة، في مقابل توسع دائرة الدعم للمغرب، خاصة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا.

القوى الكبرى وحسم التموضع: واشنطن وباريس نموذجًا

سنة 2025 شهدت أيضًا انتقال مواقف القوى الكبرى من الدعم السياسي إلى خطوات ذات دلالات سيادية واضحة. التأكيد الأمريكي على قرب إقامة تمثيلية رسمية في الصحراء المغربية يعكس استمرارية الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب، ويمنحه بعدا مؤسساتيا جديدا.

أما فرنسا، فقد رسخت موقفها عبر توسيع خدماتها القنصلية لتشمل الأقاليم الجنوبية، في خطوة تعكس تحول الدعم من مستوى الخطاب إلى مستوى الفعل.

هذه التحركات تعكس إدراكا دوليا بأن المغرب يشكل ركيزة استقرار إقليمي، وشريكا موثوقا في قضايا الأمن والهجرة والطاقة، وهو ما يعزز موقعه التفاوضي في ملف الصحراء.

القرار 80/89… الجمعية العامة تلتحق بمجلس الأمن

 

اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 80/89 شكّل بدوره محطة مفصلية، إذ كرّس تبنيها الصريح للمقاربة نفسها التي يعتمدها مجلس الأمن. للمرة الأولى، يتم التأكيد بشكل واضح على أن الحل يجب أن يكون واقعيًا، دائمًا، ومتوافقًا عليه، في انسجام مع مبادرة الحكم الذاتي.

فهذا التطور يكتسي أهمية خاصة، بالنظر إلى أن الجمعية العامة كانت تاريخيًا ساحة لمحاولات تمييع المواقف أو توظيفها سياسيا ضد المغرب.

اليوم، يتأكد أن المنتظم الأممي بمؤسساته الأساسية بات يتحرك في الاتجاه نفسه، ما يعزز موقع المغرب، ويضيّق الخناق على الأطروحات الانفصالية.

“عيد الوحدة”… الرمزية السياسية للحظة تاريخية

 

قرار الملك محمد السادس جعل يوم 11 أكتوبر عيدا وطنيا تحت اسم “عيد الوحدة” يحمل دلالات عميقة.

فهو ليس فقط تخليدا لقرار أممي، بل ترسيخ لمرحلة جديدة في الوعي الوطني، تؤكد أن الوحدة الترابية ليست ملفا تفاوضيا، بل حقيقة سياسية وتاريخية راسخة. كما يعكس هذا القرار ثقة الدولة في مسارها، واستعدادها للانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة البناء على الحسم.

 تحول سياسي و استراتيجي

من جانبه يرى المحامي المتخصص في ملف الوحدة الترابية للمملكة، نوفل البعمري أن “ملف الصحراء عاش سنة 2025 تحول سياسي و استراتيجي كبير على مستوى المسار الذي سيقطعه السنة المقبلة، و هو مسار مرتبط بعمق العملية من حيث الحل الواجب تطبيقه و الذي تبنته الأمم المتحدة، إذ انتقل بشكل حاسم و واضح مجلس الأمن الى تبني خيار مبادرة الحكم الذاتي كمبادرة وحيدة، و القاعدة التي ستتأسس عليها اية مباحثات مستقبلية و هي بذلك تكون قد انتقلت من مبادرة الحكم الذاتي من كونها مبادرة مغربية تم طرحها في سياق أممي مرتبط باستقالة بيتر فان والسوم، الى سياق جديد تحولت معها المبادرة الى مبادرة أممية و سيتم مناقشتها على هذا الأساس باعتبارها ليست مقترحاً بل أرضية للتفاوض و للحل”.

وأضاف نوفل البعمري لـ”بلبريس” “سنة 2025 شكلت انعطافة جديدة في مسار الملف ينضاف إلى سلسلة الإنعطافات الكبرى التي شهدها الملف و مفتاح للمسار الذي يُفترض إطلاقه السنة الجديدة وصولاً للقرار الذي سيتم استصداره في اكتوبر 2025”.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *