أكد المحلل الاقتصادي إدريس الفينة، في حديث مع بلبريس، أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يجعل من التشغيل أحد أهدافه المهيكلة، لكن بمنطق يتجاوز التوظيف الإداري المباشر إلى خلق فرص عمل عبر الاستثمار والبرامج المندمجة.
وأوضح المحلل الاقتصادي في تصريح خص به بلبريس أن المشروع يستمر في نهج التوظيف الانتقائي، مركزاً على القطاعات الاجتماعية ذات الأولوية، خصوصاً الصحة والتعليم.
في قطاع الصحة، برمج المشروع توسيع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات الجامعية والجهوية بأكثر من 3.800 سرير جديد، مع إعادة تأهيل 90 مستشفى، وهو ما يستلزم آلاف المناصب الجديدة في مجالات التمريض، الإدارة، الصيانة والخدمات التقنية. أما في التعليم، فسيتم تعزيز الخطة الوطنية لتعميم التعليم الأولي وتوسيع شبكة المدارس الرائدة، إلى جانب التوظيف السنوي لأطر التدريس والتأطير، ودعم التعليم الرقمي وبرامج التكوين المستمر. كما تمت برمجة مناصب جديدة في قطاعات الأمن، العدل، والحماية الاجتماعية لتأمين تعميم المساعدة الاجتماعية المباشرة.
وشدد الفينة على أن المشروع يرسخ مفهوم “التشغيل المندمج”، حيث يجمع بين التوظيف المستهدف في القطاعات الاجتماعية وتوسيع فرص العمل غير المباشر عبر الاستثمار والإصلاحات الاقتصادية، وهو ما يعكس انتقالاً من منطق “الوظيفة العمومية” إلى “منظومة الشغل الوطني”، حيث يُنظر إلى كل درهم مستثمر كفرصة لخلق عمل مباشر أو غير مباشر.
وأضاف أن مشروع قانون المالية 2026 يعكس أولوية اجتماعية واضحة، إذ يواصل ترسيخ توجه الدولة نحو نموذج “الدولة الاجتماعية”. فقد استفاد قطاع الصحة من زيادة استثنائية بنسبة 30% ليصل إلى 42,4 مليار درهم، خُصصت لإعادة تأهيل المستشفيات وبناء مراكز جامعية جهوية جديدة وتعميم الملف الصحي الرقمي. وفي التعليم، يواصل المشروع تنفيذ خارطة الطريق 2022-2026، مع التركيز على التعليم الأولي والمدارس الرائدة. كما تمت برمجة دعم اجتماعي مباشر يقارب 29 مليار درهم لفائدة نحو أربعة ملايين أسرة، إضافة إلى برامج خاصة بالسكن والماء كركيزتين أساسيتين للعدالة الاجتماعية.
ويرى الفينة أن مشروع القانون يوسع مفهوم “الدولة الاجتماعية”، إذ لم يعد مقتصراً على الدعم المباشر أو الخدمات الاجتماعية، بل أصبح يشمل الاستثمار المنتج وتقليص الفوارق الترابية وتعزيز الأمن المائي وخلق فرص عمل محلية. وتجسد البرامج المندمجة للتنمية الترابية هذا التحول، حيث رُصد لها 20 مليار درهم في 2026، بهدف ربط العمل الاجتماعي بالدينامية الاقتصادية، خاصة في المناطق القروية وشبه الحضرية.
وختم بالقول إن مشروع قانون المالية 2026 يضع الإنسان في قلب السياسات العمومية، عبر الإنفاق الموجه للصحة والتعليم والتشغيل المحلي والسكن والماء، مؤكداً أن مفهوم “الدولة الاجتماعية” لم يعد شعاراً، بل أصبح إطاراً مالياً وتنموياً شاملاً يربط بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية في رؤية واحدة متماسكة.