إلى الأحزاب السياسية.. أنصتوا إلى الجيل زد

عندما قررت حكومة النيبال حجب منصات التواصل الاجتماعي عن جيل زد قبل أسابيع، ظنت أنها تمتلك زمام الأمور. لكن ما حدث بعدها كشف عن خطأ تقديري فادح. جيل مُرقمن لا يعيش على قناة واحدة، ولا ينتظر إذنا رسميا للتواصل، عندما تُغلق نافذة، يفتح عشرة بدائل في دقائق معدودة.

المولودون بين 1997 و2010 ليسوا مجرد مستخدمين للتكنولوجيا، بل جزء منها، فتحوا عيونهم على الحواسيب والهواتف الذكية، تعلموا الكتابة والقراءة رقميا قبل الورقية أحيانا.

 يتنفسون المنصات، ينتجون المحتوى بسلاسة، ويتعاملون مع أدوات الذكاء الاصطناعي كما يتعامل الأجيال السابقة مع المذياع.

هذا الجيل يفضل العمل عن بُعد، خاصة بعد جائحة كوفيد التي أثبتت جدوى النماذج المرنة. لا يبحث عن وظيفة مدى الحياة في مكتب واحد، بل عن فرص متعددة ومتجددة تتيح له التوازن بين الحياة والعمل.

لكن رغم كفاءته التقنية العالية، يعاني جيل زد من مفارقة غريبة، سنوات من العيش خلف الشاشات ولّدت شعورا بالوحدة لدى نسبة كبيرة منه. لذلك، أصبحت اللقاءات الوجاهية ضرورة وليس رفاهية. يطلب إجابات واضحة ومختصرة ودقيقة، ويزهد في الخطابة الطويلة والوعود الفضفاضة التي اعتادت عليها الأجيال السابقة.

اشتغالي مع هذا الجيل المنتج رقميا، فتح عيني على الكثير من الحقائق. جيل زد يميل بطبيعته نحو اللغة الإنجليزية، لأنها لغة البرمجيات والمنصات والأدوات الأكثر انتشارا. 

يتواصل بطرق غير تقليدية، يتجاوز القنوات الرسمية، ويعرف كيف يلتقط الإشارات ويحللها في صمت قبل أن يطلق هاشتاغا يصعد في دقائق. هذا جيل يفهم أن التأثير الحقيقي لا يأتي من المنابر الرسمية، بل من القدرة على تحريك الرأي العام رقميا.

ثقة جيل زد في العمل السياسي والتمثيلية الحزبية ضعيفة جدا. نادرا ما تجد شابا منهم في موقع قيادي حزبي تقليدي. لكنه فاعل بقوة في الفضاء الرقمي.

 ينظم حملات، يضغط من أجل قضايا ملموسة، ويصوغ أجندة النقاش العام من خارج الأبنية التقليدية.

 لا يرفض جيل زد السياسة في جوهرها، بل يرفض أداءها المتجاوز ولغتها الثقيلة.

في المغرب، يميل جيل زد إلى عزوف جزئي عن السياسة بصيغتها الحزبية والانتخابية، مقابل نشاط استثنائي في الفضاء الرقمي. 

يهتم بقضايا الشغل والتعليم والمساواة والبيئة وحقوق الأفراد أكثر من الاصطفافات الإيديولوجية. يتجه مبكرا للبحث عن آفاق جديدة، يفضل ريادة الأعمال على الوظيفة المستقرة، ولا يخفي بعضه رغبة في الهجرة بحثا عن بيئة أكثر انفتاحا على طموحاته.

تجد الأحزاب والمؤسسات التقليدية صعوبة حقيقية في رصد هذا الجيل واستقطابه، فتزداد الفجوة بين الخطاب الرسمي وانتظارات الشباب. 

الآليات الثقيلة والتسلسل الهرمي واللغة الخشبية تصطدم بثقافة السرعة والوضوح والمباشرة لدى افراد هذا الجيل، والنتيجة حضور رقمي مؤثر يقابله غياب مؤسساتي واضح.

درس النيبال وغيرها من التجارب يؤكد حقيقة بسيطة، أنصتوا إلى هذا الجيل الذي رفض الوعود الكاذبة، واقتربوا منه أكثر  كي تفهموه.

جيل زد ليس عدوا للسياسة، بل هو جيل يريد سياسة مختلفة. يريد قادة يتحدثون بلغته، يفهمون تطلعاته، ويقدمون حلولا عملية لمشاكله الحقيقية. 

من يفهم هذا مبكرا، سيجد في جيل زد حليفا قويا، ومن يتجاهله، سيكتشف أن المستقبل يُصنع بدونه لأنه سيصطدم في الطريق بجيل ألفا، وهذه قصة أخرى.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *