الديمقراطية تتراجع في العالم العربي.. والمغرب استثناء؟

في وقتٍ لا تزال فيه الديمقراطية تُطرح باعتبارها النظام الأمثل للحكم، تكشف أحدث استطلاعات الباروميتر العربي (2023–2024) عن صورة أكثر تعقيدًا لما يشعر به المواطن العربي حيال هذا النموذج، خاصة بعد عقدٍ من الانتفاضات والتحولات العاصفة.

في المغرب، تبدو الديمقراطية البرلمانية، حيث تتنافس التيارات السياسية المختلفة عبر انتخابات تشريعية، نموذجًا مقبولًا لجزء كبير من المواطنين؛ إذ عبر 68% من المغاربة عن أن هذا النوع من النظام “مناسب جدًا” أو “مناسب” لبلدهم. ومع ذلك، لا تزال النسبة دون الطموح، ما يضع المغرب في خانة الدعم “المتوسط” للنظام الديمقراطي، وفق التصنيف التحليلي.

في المقابل، يتراجع مستوى الحماسة في دول أخرى؛ إذ انخفض التأييد للنظام الليبرالي الديمقراطي إلى 54% في فلسطين، و52% في موريتانيا، و51% في الأردن، فيما تتقلص هذه النسبة إلى أقل من النصف في لبنان (42%)، العراق (39%)، وتونس (38%)، رغم أن هذه الدول شهدت استحقاقات انتخابية بارزة في السنوات الأخيرة.

اللافت أن شريحة الشباب تحديدًا، وهي التي كانت في طليعة الحراك العربي قبل عقد من الزمن، باتت أكثر عزوفًا عن تبني النموذج الديمقراطي. في تونس مثلًا، لا يرى سوى 31% من الشباب بين 18 و29 عامًا أن هذا النظام ملائم، مقابل 41% في الفئة العمرية الأكبر. وهو ما يوضح حجم التحول الذي أصاب وعي الجيل الجديد، المُحبط من الأزمات الاقتصادية والسياسية المتتالية.

وفي ظل هذا التراجع في الثقة بالديمقراطية، يبرز نوع آخر من النُظم بدأ يحصد تأييدًا متزايدًا: نظام الحاكم القوي، الذي يُدار فيه الحكم بيدٍ واحدة دون اكتراث بالانتخابات أو آراء المعارضة. في بعض الحالات، مثل العراق وتونس، باتت نسب تأييد هذا النوع من الأنظمة تقترب أو تتساوى مع الدعم للديمقراطية، بل وتتفوق عليه أحيانًا.

وفي منحى أكثر تطرفًا، يظهر ما يسمى بـ”الدكتاتورية العادلة”، وهي حكومة تستجيب لحاجات المواطنين لكنها لا تمنحهم دورًا سياسيًا. ورغم أن التأييد لهذا النموذج ما زال محدودًا في معظم البلدان، إلا أن مجرد قبوله من 3 إلى 4 من كل 10 مواطنين، يعكس خيبة أمل عميقة من فكرة المشاركة السياسية.

التقرير يضع إصبعه على جرح عميق: الحلم الديمقراطي في العالم العربي، الذي لمع عقب ثورات الربيع، بدأ يخفت بشكل واضح. ففي حين كانت نسبة الدعم للديمقراطية البرلمانية تتجاوز ثلثي المواطنين في عدة دول (بين 2012 و2014)، شهدت السنوات العشر الماضية تراجعًا كبيرًا: 34 نقطة في العراق، 28 في تونس، و26 في لبنان. وحده المغرب احتفظ بدرجة استقرار نسبي، حيث لم يتراجع الدعم سوى 5 نقاط فقط.

بالمقابل، ارتفع تأييد الحكم السلطوي بشكل لافت، خاصة في العراق (بزيادة 38 نقطة) وتونس (27 نقطة). ويبدو أن الإحباط من الأداء الديمقراطي، وتعثر المؤسسات المنتخبة، قد ولّد نزعة متزايدة نحو البحث عن “المنقذ القوي”، ولو كان على حساب المشاركة السياسية.

النتيجة النهائية التي يبرزها الباروميتر العربي هي أن قطاعًا واسعًا من المواطنين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم يفقدوا فقط ثقتهم في الديمقراطية، بل أعادوا توجيه ولائهم نحو أنظمة استبدادية، على أمل تحقيق الاستقرار والاستجابة للحد الأدنى من المطالب المعيشية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *