أكد الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين أن الموقف المغربي من القصف الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة لا يمكن قراءته من زاوية التوازنات الإقليمية أو الرسائل السياسية، بقدر ما يرتبط بالعمق الاستراتيجي للشراكة مع دول الخليج العربي، وشدد على أن المغرب يعتبر أمن الخليج من أمنه القومي، مستحضرا في ذلك الخطاب المرجعي للملك محمد السادس سنة 2016 وما تلاه من تراكمات تاريخية رسخت هذا الاختيار.
وأوضح نور الدين في حوار خاص مع جريدة “بلبريس” أن إعلان المغرب تضامنه مع قطر يندرج في سياق ثابت من التعامل مع دول الخليج ككتلة واحدة، وليس كمحاور متفرقة، مبرزا أن الرباط تجنبت في أزمة 2017 الاصطفاف في الاستقطاب الخليجي–الخليجي، وفضلت تغليب المصلحة الاستراتيجية العليا على الحسابات الظرفية.
إليكم نص الحوار:
– كيف يمكن قراءة هذا الموقف المغربي في ضوء توازناته الإقليمية؟
في تقديري المتواضع، لا يمكن أن نقرأ الموقف المغربي في تعامله مع منطقة الخليج العربي من خلال التوازنات الإقليمية أو الرسائل السياسية لأنهما عاملان متغيران في المعادلات الجيوسياسية، بينما يتعامل المغرب مع دول الخليج بمنطق الشراكة الاستراتيجية والعمق الحيوي، وأحيلكم هنا على الخطاب المرجعي للعاهل المغربي سنة 2016 والذي أكد فيه بأن المغرب يعتبر دائما أمن واستقرار دول الخليج العربي من أمن واستقرار المغرب، وما يضر تلك الدول يضر المغرب.
وهذا لم يكن إعلان نوايا بل خلاصة تجارب عشرات السنين، أثبت فيها المغرب وقوفه مع دول الخليج سواء في تحدي بناء قدراتها وسيادتها الوطنية منذ السبعينيات إلى اليوم، من خلال حضور قوي للأطر والكفاءات المغربية في كل القطاعات الحساسة المدنية منها والعسكرية، أو في مواجهة التهديدات الخارجية والتي كانت تأتي أحيانا من دول شقيقة وأحيانا كثيرة من دول إقليمية وأجنبية، وبنفس القوة كانت دول الخليج تقف إلى جانب المغرب باستثماراتها في المملكة وفي الدفاع عن وحدتنا الترابية والمشاركة في المسيرة الخضراء بوفود مثلت كل دول الخليج دون استثناء، وبالمساهمة في المجهود الحربي لمواجهة البترودولار الجزائري والليبي آنذاك.
– هل يمثل هذا الموقف رسالة سياسية موجهة إلى الفضاء العربي، أم أنه جزء من استراتيجية أوسع للرباط؟
حين برزت إلى الوجود الأزمة السياسية بين الإمارات والسعودية من جهة وقطر من جهة أخرى، برهن المغرب أنه لا يصطاد في الماء العكر، وكان بإمكانه أن يستغل الظرفية لتصفية حسابات دولة كانت تناور إعلاميا على الاقل ضد المغرب، وكان من المفروض أن يصطف مع أكبر حليفين خليجيين له، ولكنه رجح كفة الأمن الاستراتيجي للخليج، الذي كان سيصبح في مهب الرياح الإقليمية والدولية المتربصة بحلفائه، لو اندلع صراع بين الطرفين، مما كان سيفقد كل دول المنطقة سيادتها، وكان سيدخل المنطقة في أتون الفوضى التي أتت على الأخضر واليابس في كل دول المنطقة ولازالت نيرانها مشتعلة في معظم الدول العربية.
الموقف المغربي في تلك الأزمة أوضح للعالم عمقه الاستراتيجي، وقد سبب في البداية بعض المشاكل للمغرب لأن حلفاءه الكبار في الخليج لم يتفهموا حياده، ولكن مع مرور الوقت اتضحت الصورة أكثر، وأن المغرب لم يكن محايدا بل منحازا إلى المصلحة الاستراتيجية لحلفائه الكبار والتي كادت الأزمة مع قطر أن تعصف بها، لو لم يتم إخمادها بسرعة.
وهي نتيجة ازدادت وضوحا بعد حرب السابع من أكتوبر وما تلاها من تداعيات أطلقت يد الدولة العبرية دون قيود قانونية أو سياسية لتفعل ما تشاء، وتغير رسم الخرائط في الشرق الأوسط كما نظر لها الآباء المؤسسون للحركة الصهيونية، ولو وقعت هذه الأحداث في ظل نزاع مسلح لا قدر الله بين الدول الخليجية الثلاثة، لكانت فرصة سانحة لتطبيق الخرائط التي نشرتها نيويورك تايمز، الجريدة الأمريكية الجادة جدا، والتي تظهر تقسيما جديدا للجزيرة العربية إلى فسيفساء.
لأجل كل ذلك يبقى الموقف المغربي موقفا تاريخيا منحازا إلى المصالح الاستراتيجية لدول الخليج، التي يتعامل معها ككتلة واحدة وليس كأجزاء، وهذا لا يتناقض مع وجود علاقة حميمية وأخوية أكثر عمقا مع الإمارات العربية المتحدة، والسعودية أكثر من تلك التي تجمعه مع باقي دول الخليج.
في هذا الإطار العام نفهم الموقف المغربي من دول الخليج، ونفهم بيان التضامن المغربي مع قطر في الهجوم العسكري الذي تعرضت له أمس من قبل طيران الدولة العبرية.