تحوّل “اليوم الوطني للمهاجر”، الذي يُحتفى به في العاشر من غشت كل سنة، إلى منصة صريحة لمحاكمة سلوك بعض الإدارات العمومية ومسؤوليها، بدل أن يكون مناسبة للاحتفاء والتكريم. فعوض تكريم أبناء الجالية المغربية بالخارج، فوجئ كثيرون منهم بتحول اللقاءات الرسمية إلى فضاءات لطرح الشكاوى، وفضح العراقيل التي تعترضهم في كل زيارة قصيرة لوطنهم الأم.
ففي العديد من الجهات والأقاليم، لم تتردد الجالية في التعبير عن غضبها من واقع “الإذلال الإداري”، حيث تحدث مهاجرون ومهاجرات عن “موظفين نافذين” حوّلوا مقرات الاستثمار إلى “مراكز تعقيد وصدّ”، بدل أن تكون محطات تشجيع وتحفيز، مؤكدين أنهم اضطروا لمغادرة البلاد دون إنجاز مشاريعهم، بسبب عراقيل غامضة أو مطالب غير مفهومة.
ورغم هذه المعاناة، فإن الجالية تواصل دعمها القوي للاقتصاد الوطني، حيث سجّلت التحويلات المالية الموجهة من الخارج نحو المغرب، أرقامًا قياسية خلال الأشهر الأولى من السنة الجارية، لتبلغ أعلى مستوياتها في خمس سنوات، متجاوزة حاجز المليارات التي كانت تراوح بين 19 و21 مليار درهم قبل الجائحة.
هذه التحويلات لا تمثل فقط مصدر دعم مالي، بل تساهم بشكل مباشر في تعزيز احتياطي العملة الصعبة، وزيادة ودائع البنوك، وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني من خلال تحفيز الطلب والاستهلاك، ما يجعل الجالية واحدة من أهم دعامات الاستقرار الاقتصادي في المغرب.
لكن، ورغم هذا الدور الحيوي، لا يزال المهاجر المغربي يواجه تعقيدات إدارية خانقة كلما فكر في العودة للاستثمار أو قضاء أغراضه في بلده. وإذا كانت أجيال الجيل الأول عانت من صعوبات الاندماج واللغة في دول المهجر، فإن أبناءهم اليوم يعانون في وطنهم الأم من أزمة ثقة، وشعور متزايد بالتهميش.
ويتزايد القلق بشأن تهديد الهوية والانتماء لدى الأجيال الجديدة، خاصة بعد لجوء عدد منهم للتجنس بدول المهجر، والتخلي تدريجياً عن أي مشاريع أو ارتباط اقتصادي بالمغرب، مفضلين توجيه ثرواتهم واستثماراتهم إلى بلدان الاستقبال، التي تحتضنهم وتمنحهم فرصاً أوضح.
وقد دفعت خطورة هذا الوضع الحكومة المغربية إلى إطلاق سلسلة من المبادرات لإعادة بناء جسور الثقة. من بين أبرز هذه المبادرات برنامج “فينكوم”، الهادف إلى ربط الاتصال بالكفاءات المغربية في الخارج، وإدماجها في مشاريع التنمية داخل الوطن.
كما أطلقت وزارة الإسكان والتعمير سياسة الأبواب المفتوحة للجالية، سواء داخل الوكالات الحضرية أو في فضاءات مؤسسة العمران. لكن هذه المبادرات، ورغم أهميتها، لا تزال تُواجه من الداخل بـ”عقليات إدارية فاسدة” وممارسات بيروقراطية تهدم ما تبنيه الدولة من جسور.
ووسط ذلك، تستمر بعض الأطر في مؤسسات عمومية بالتعامل مع المهاجرين بمنطق “الحيلة والغلة”، معتبرين أنفسهم صمام أمان المؤسسة المالية، ومبررين تعقيداتهم بأنها جزء من الحفاظ على استقرار الميزانية، في تبريرات وُصفت بـ”الشيطانية” من طرف مهاجرين فقدوا الأمل في التغيير.