محمد سالم: خطاب البوليساريو تآكل وانكشفت عوراته

في خطوة غير معتادة ضمن الأدبيات الإعلامية الموالية للطرح الانفصالي، نشر موقع إي سي إس مدريد افتتاحية نارية تسائل الأداء الدبلوماسي لجبهة البوليساريو، وتنتقد، بلهجة لاذعة، حالة الشلل التي تخيم على تحركاتها الخارجية، في ظل ما سمّته الافتتاحية “حربًا دولية لتصفية القضية الصحراوية”، فيما بدا وكأنه اعتراف ضمني بتهاوي المرتكزات التقليدية للخطاب الانفصالي، وفقدانه لأي صدى أو فعالية على الساحة الدولية.

وعبرت الافتتاحية، التي جاءت تحت عنوان “ضرورة مراجعة دبلوماسية البوليساريو”، عن سخط داخلي واضح من مخرجات العمل الخارجي للجبهة، وعن خيبة متنامية تجاه ما وصفته بـ”الجمود الميكانيكي” الذي أصاب تحركاتها السياسية، مقابل نجاحات مغربية نوعية تمثلت، حسب ذات المقال، في ترسيخ الرباط لحضورها داخل القارة الإفريقية، وفتح قنصليات دولية في مدن الصحراء، دون أن تجد قيادة الجبهة قدرة على الرد أو التحرك داخل نفس المنظومة القارية.

واعتبرت الافتتاحية أن الوضع الحالي بات يستدعي “إعادة هيكلة للفلسفة السياسية للجبهة”، وتوسيع دوائر القرار، وتبني دبلوماسية شعبية تتجاوز القيود التقليدية، في ظل “انغلاق سلطوي وهيمنة الحزب الواحد” على الحياة السياسية في مخيمات تندوف، بحسب تعبير المقال ذاته. كما لم تُخفِ الافتتاحية استياءها من افتقاد البوليساريو لأي تأثير فعلي في القرارات داخل الاتحاد الإفريقي، مكتفيةً بوصف الحضور الرمزي في القمم بأنه “نصر وهمي لا يُقاس بنتائج ملموسة”.

وفي هذا السياق، اعتبر محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن ما ورد في هذه الافتتاحية يؤشر على “حجم التآكل الذي أصاب بنية الخطاب الانفصالي، وعلى بداية تشكل وعي داخلي يعبر عن نفسه تحت غطاء النقد الإعلامي، في ظل القيود المفروضة على حرية التعبير السياسي داخل منظومة تسودها النزعة السلطوية والانغلاق عبر نظام الحزب الواحد الاستبدادي”.

محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان

وأكد عبد الفتاح، في تصريحه لبلبريس، أن المقال يُعد بمثابة “إقرار ضمني بحالة الشلل التي باتت تميز الأداء الدبلوماسي للجبهة، وعجزها عن مجاراة التحولات المتسارعة التي يشهدها ملف الصحراء، خاصة في ظل الزخم الذي راكمته الدبلوماسية المغربية، سواء على مستوى اختراقات القارة الإفريقية، أو من خلال تثبيت مقترح الحكم الذاتي كخيار واقعي ومدعوم من القوى الدولية الوازنة”.

وفي تحليله لمآلات الخطاب، أشار إلى أن “صدور هذا النقد من داخل الصف الانفصالي يفقد قيادة الجبهة ورقة التبرير الخارجي، ويحرج العناصر القيادية التي اعتادت تعليق فشلها على شماعة العدو الخارجي، ويضعها أمام مرآة الحقيقة المتمثلة في أزمة المشروع الانفصالي المتفاقمة، والتي تعكس تآكل الخطاب التعبوي، القائم على اجترار الشعارات البائدة التي تعود لحقبة سبعينيات القرن الماضي”.

ويعتبر المتحدث أن تفكك المشروع الانفصالي بات واضحًا، حيث لم يعد قادرًا على ضبط أذرعه الإعلامية التي بدأت تشكك في جدوى خطابها، ما يعكس، في رأيه، “هوة كبيرة بين القيادة الانفصالية وقواعدها، ويُحيل على تنامي شعور داخلي بالخيبة لم يعد بالإمكان احتواؤه”، كما أن بروز هذا النقد بصيغ محتشمة وإن كانت مواربة، “يترجم تململًا داخليًا، وتباينًا بين مكونات الميليشيا الانفصالية، لا سيما في صفوف الأجيال الشابة، التي بدأت تدرك أن مشروع الانفصال بات خارج الزمن، وأن المقاربة المغربية، بما تتيحه من أفق ديمقراطي وتنموي داخل الأقاليم الجنوبية، أصبحت تفرض نفسها كخيار واقعي وواعد”.

وتوقف عبد الفتاح عند ما وصفه بـ”احتضار المشروع الانفصالي”، مشيرًا إلى أنه “لم يعد يملك ما يقدمه، في ظل سخط وامتعاض شعبي عارم في مخيمات تندوف، نتيجة فشل البوليساريو في تدبير المساعدات الإنسانية، وتفشي الفساد الذي يوسع الهوة بين القيادة الانفصالية وقاطني المخيمات”.

وختم تصريحه بالتأكيد على أن هذه الخرجات الإعلامية المنتقدة “تعكس أيضًا الانقسام الداخلي المتزايد بين العناصر القيادية في سياق صراع داخلي على المواقع المدرة للربح، نتيجة تنوع الولاءات والارتباطات بين قيادات الجبهة وأجهزة الأمن والجيش في الجزائر”، مبرزًا أن ما يحدث داخل البوليساريو ليس معزولًا عن الصراعات داخل النظام العسكري الجزائري، وأن وسائل الإعلام الموالية للجبهة باتت تُوظف كأدوات في هذا الصراع المحتدم على النفوذ والامتيازات.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *