مازال ملف التسول الاحترافي يطرح نفسه بإلحاح على مختلف الحكومات المتعاقبة، بعدما عجز وزراء التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، خاصة الوزيرات اللواتي تعاقبن على الحقيبة، عن إيجاد حلول جذرية، مكتفيات بإحالة الملف على وزارة الداخلية المكلفة بجمع المتسولين وإيداعهم مراكز الرعاية الاجتماعية. غير أن التحدي الأكبر ظل فرار هؤلاء من المراكز، بدعوى خوفهم من فقدان “أجرة” التسول، التي قد تساوي أو تفوق راتب إطار عمومي.
وبلغة الأرقام، كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن عدد محترفي التسول بلغ 200 ألف شخص حسب إحصاء 2007، مع توقع تضاعفه ليصل نصف مليون، بينهم نساء وأطفال تستغلهم شبكات منظمة، وفق تقرير رسمي للمجلس. وتحت قبة البرلمان، تصاعدت الأصوات المنادية بتشديد المراقبة، وطرح بعض النواب فرض غرامات بعد تتبع ممتلكات المتسولين العقارية وكشف حساباتهم البنكية، في مسعى لمحاصرة أرباح غير مشروعة تحولت إلى مصدر ثروة للبعض.
في المقابل، أكدت الوزيرة نعيمة بنيحيى أن وزارتها، بشراكة مع مؤسسة التعاون الوطني، خصصت خلال 2024 أكثر من 48 مليون درهم لدعم 185 مؤسسة للرعاية الاجتماعية، بطاقة استيعابية تناهز 17 ألفا و586 مستفيدا، إلى جانب 24 مليون درهم أخرى لفائدة 33 مؤسسة تعنى بالمشردين والمتسولين، توفر لهم خدمات الإيواء والتغذية والرعاية الطبية والتأطير النفسي والاجتماعي.
كما شددت بنيحيى على أن الوزارة ماضية في تنزيل خطة لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول، انطلقت منذ 2019 وشملت عدة مدن كبرى، عبر إعادة دمج الأطفال في أسرهم أو إيداعهم مؤسسات متخصصة، مع دعم الأسر الفقيرة. وأعلنت عن تعزيز جاهزية مراكز الإسعاف الاجتماعي بشراء 20 وحدة متنقلة بكلفة تتجاوز 11 مليون درهم، وإحداث مراكز جديدة لحماية الطفولة، استقبلت خلال 2024 أكثر من 44 ألف طفل، نصفهم تقريباً من الإناث.
من جهته، حذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من تصاعد خطير في شبكات استغلال الأطفال والنساء في التسول، إذ ارتفع عدد القضايا من 88 سنة 2017 إلى 127 سنة 2022، أي بزيادة 45 في المائة، مع تضاعف أعداد الضحايا والمتابعين. ويجرّم القانون الجنائي المغربي هذه الممارسات، بربط التسول بالتشرد ومعاقبته بعقوبات سجنية تتراوح بين شهر وثلاث سنوات، لكن استمرار تفشي الظاهرة يطرح سؤال النجاعة والردع.